حمود بن علي الطوقي
في جلسة استثنائية بمنزل معالي أحمد بن سويدان
البلوشي وبحضور جمع من المواطنين والمسؤولين عرض لأوَّل مرة شريط وثائقي يُعد الأهم في توثيق جولات جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه-
هذا الشريط يؤرخ ويوثق مرحلة وتجربة مُهمة في تاريخ عمان الحديث هذه التجربة تتمثل في بناء التنمية العمانية، هذا البناء لم يكن سهلاً كما يظن البعض بل كان عملاً شاقاً وتدريجيًا على مبدأ بناء البيت "طوبة طوبة"، كما يقال في الأدبيات الشعبية .
تابعت الشريط النادر وكل أعضاء جسدي تقشعر من الموقف. كيف استطاع شاب في الثلاثينيات من العمر يملك أدوات بسيطة ورؤية ثاقبة أن يقوم برسم خارطة الانتقال بالمجتمع من حالة تخلف اجتماعي واقتصادي كبير إلى حالة من التطور والتحديث والتشييد وإعادة التخطيط لكي ينعم المواطن العُماني باستقرار على مختلف الأصعدة.
ما شاهدته في هذا الشريط من قسوة الحياة في بداية السبعينيات حيث قرر جلالة السلطان أن يجوب عمان قاطعا آلاف الكيلومترات براً وينام في الخلا، وفِي صحراء تصل درجة الحرارة إلى ٥٠ درجة دون وجود تكييف وتارة في قسوة البرد متغطياً بلحاف بسيط وذلك لكي يتعرف على أحوال المواطنين وطبيعة حياتهم ويقترب منهم أكثر موجهاً وزراءه ومرافقيه بتدوين كل صغيرة وكبيرة عن احتياجاتهم اليومية والمستقبلية ، وأجزم أن معظم القرارات والمراسيم السلطانية كانت نابعة من هذه الصحراء حيث متابعة ميدانية أولاً بأول حول أحوال الرعية .
في هذه الجولات والتي عرفها العالم وأطلق عليها الإعلام العُماني البرلمان المفتوح. استطاع جلالة السلطان أن يتعرف عن قرب وبدون أية وساطة على طبيعة الشعب العُماني واحتياجاته وخطط لكي يحقق لهذا الشعب ما يستحقه .فإنه ليس من المبالغة في شيء عندما نقول إن ما تفضل به جلالة السلطان من متابعة وجولات شاقة وفِي ظروف صعبة من الصعب أن نرى أي حاكم يقوم بهذا الدور. لهذا ارتبطت سلطنة عمان لدى الكثيرين باسم جلالة السلطان قابوس على امتداد العقود الخمسة الماضية .
بالرصد الدقيق، لقد تحمل جلالته ـ حفظه الله ـ مسؤولية إرث ضخم كان لابد من التعاطي معه وتسويته لأن القفز عليه لم يكن مأموناً وكان الذكاء السياسي في تدبير شؤون الحكم هو ما أوصل السلطنة إلى بر الأمن وأمان وسلام متآلفة أطيافها وطوائفها بتناغم قل نظيره وهذا كله صب في صالح الاستقرار العام للسلطنة ..
بفضل جلالته ـ حفظه الله ـ بحكمته وصبره وبعد نظره باختياره مسيرًا مغايرا لما عليه الكثيرون، تحولت السلطنة إلى دولة عصرية صارت محج الشعوب والأقوام والثقافات، صارت مضرب مثل في العديد من المكتسبات، صارت مرجعا لكثير من طالبي الخبرة في بعض المجالات، أي أن السلطنة غدت كيانا مختلفا تماماً عما كانت عليه في السابق ..
يمكن القول إن السلطنة صارت بفضل جلالته رقما صعبا في السياسة العالمية وتعاملت مع العديد من الملفات الدولية الشائكة، وعملت بسياسة السلم لا الحرب في تدخلاتها التفاوضية، وسلكت مسلك رأب الصدع لا شق الصف، ونالت بفضل ذلك احترام القيادات العالمية والشعوب، على حد سواء، وهذا واحد من أعظم المكاسب التي ستظل خالدة في تاريخ السلطنة..
لقد رسم المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه- السياسة التي تجعل من عمان بلدا متميزا فيرسم السياسة الداخلية والخارجية للسلطنة، وذلك من خلال اشتغاله على جعل السلطنة دولة صديقة لدول العالم قاطبة، ومضرب المثل في العلاقات البينية المبنية على أسس التوافق والسلام والحوار، بعيدا عن الحروب والدمار التي لا يدفع ثمنها سوى الشعوب ذاتها، كل ذلك بما يحقق للسلطنة وشعبها ذلك الشعور بالاختلاف الإيجابي في التوجهات، والاستقلالية في ثقافته ورؤيته، والانسجام مع حضارات العالم وثقافاته المختلفة
بفضل هذه السياسة الحميمة يمكننا القول الآن إنها حققت المنشود وتحققت لعُمان أمور كثيرة وحظيت السلطنة بكثير من أشكال الاعترافات الدولية في مجالات مختلفة وانبرت الأقلام ترصد وتحلل وتكتب وتوثق وتدون وتسترجع وتسابقت الكثير من الدول تحاول قراءة المستوى الذي تحولت فيه السلطنة من خلاء ضخم إلى عمران جم، مما جعلها نموذجا في التحول النوعي سابق الزمن في ظل ظروف مختلفة في الداخل والخارج بكوننا جزءا من العالم غير منفصلين عنه نتأثر بمناخاته السلبية والإيجابية على السواء ..
هذا هو صاحب الجلالة السلطان قابوس الذي حقق لنا كل ما نتمناه لكي نعيش سعداء..
نسأل الله ونحن في هذه الليلة المباركة وفِي هذا الشهر الفضيل أن يرزق جلالة السلطان الصحة والعافية والعمر المديد ويجنب عمان ويحفظها من كل مكروه .