رمضان يوحدنا

 

فيصل بن زاهر الكندي

 

من يتتبع المنظومة الإسلامية يجدها سلسلة ذهبية مُتكاملة لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً ففي كل أمر ونهي تجد الدقة والانضباط وأهدافها تنصب في صالح الفرد والأسرة والمجتمع والأمة بشكل عام فلا مكان للانزواء أو التعصب بل تشريعاته تؤكد على وحدة الصف والجماعة والتضامن واجتماع الكلمة ولم الشمل ونبذ الفرقة والاختلاف ويأتي رمضان ليؤكد هذه المفاهيم ويرسخها في قلوب الصائمين.

 إن أمتنا الإسلامية اليوم في أمس الحاجة إلى غرس مفهوم "التقوى" في أفرادها فالتقوى التي هي أكبر ثمار الصيام التي جاء رمضان ليحققها في قلوب أفراده نحن اليوم نحتاج إلى أن نتقي الله في أنفسنا وأن نتقي الله في غيرنا فالتقوى في معناها اللغوي مشتقة من وقى والوقاية هي حفظ الشيء ممّا يؤذيه ويضره يُقال وقيت الشيء أقيه وِقاية ووِقاءً فنحن مطالبون اليوم بأن نقي أنفسنا مما يضرها بفعل ما أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم واجتناب ما نهى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كذلك من التقوى ألا نكون سببا في إيقاع الضرر بالآخرين وتشويه سمعتهم والنيل منهم فالتقوى لا تنحصر في حفظ الجوارح في نهار رمضان فحسب وإنما التقوى هو المنهج الذي يجب أن نمشي عليه ونتعامل به مع الله سبحانه وتعالى ومع الآخرين لتمشل علاقاتنا كلها كأفراد وأسر ومجتمعات.

نحن اليوم مطالبون بغرس مفهوم "الصبر" في حياتنا وتعاملاتنا مع الآخرين فالصبر من أكبر ثمار رمضان التي يجب أن نتدرب عليها في هذا الشهر الفضيل تدريباً عملياً مع أنفسنا وأهالينا وجيراننا كذلك يجب أن نتحلى بصفة الصبر أثناء تعاملاتنا في المؤسسات ومع المُراجعين ومع طلبة المدارس والأطفال والخدم وعوام الناس فالصبر من أجمل الصفات التي يتحلى بها العقلاء والحكماء فحتى المشكلات الدولية العصرية تحتاج إلى أناس يتحلون بالصبر كي تتحرك العقول لاتخاذ القرارات المناسبة التي تحفظ إخوتنا وتمنع عنا الشحناء والبغضاء والكراهية وتقطع الصلات فيما بيننا وترسخ مبدأ الحكمة وتحكيم العقل.

إنَّ الجو الرمضاني يختلف اختلافا كبيرا عن باقي الشهور فالمشهد الرمضاني يتسم بالتواصل والرحمة والتسامح فالكل يسعى إلى التوبة والتسامح مع الآخرين والاعتذار عمَّا بدر منه في السابق وبدء صفحة جديدة مع الله سبحانه وتعالى ومع الناس والكل يتسابق الى إطعام المسكين والتصدق وإخراج الزكاة والمساهمة في أعمال البر في مشهد إنساني يتسم بالرقي والحضارة التي أسسها النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة وانتشرت في أصقاع الأرض واليوم نحن مطالبون بتوسيع هذا الترابط  فيما بيننا حتى بعد رمضان وكذلك على الصعيد الدولي بحيث نعين بعضنا بعضاً ونُعالج قضايانا ومشكلاتنا بروح إنسانية بعيدًا عن العنصريات والحزازيات التي تفرقنا وتشتتنا.

جاء رمضان في دورته السنوية ليُربي الأمة ويعيد برمجتها السنوية في وقت واحد في نفس التوقيت وكأنَّ الأمة الإسلامية دخلت دورة سنوية في مجالات أخلاقية وقيم إنسانية راقية وعادات صحية تحفظ صحة الإنسان في وقت واحد وهي بحد ذاتها رسالة لأهمية "الوحدة الإسلامية" فالأمة قوية في وحدة أفرادها وضعيفة في تشتتها وخلافاتها فنحن مطالبون اليوم بالوحدة وإجماع الكلمة والرأي وربط جميع الدول الإسلامية برباط الأخوة وشدها بحبل الوحدة كالجسد الواحد الذي إذا تأثر عضو واحد فيه تأثرت باقي الأعضاء.

لنجعل من رمضان فرصة لتصحيح مساراتنا على صعيد الأفراد والأسر والمجتمعات والدول ليكن هذا الشهر منطلقًا ننطلق منه إلى الوحدة والتضامن فيما بيننا فهذا الأمر لن يتحقق بإقامة المؤتمرات الداعية للوحدة فحسب وإنما يجب أن نصلح ما في أنفسنا أولاً ونقومها ونعيد بناءها من جديد ثم نطبقها مع الآخرين على الصعيد النفسي والإقليمي والدولي بحيث نكون مستعدين للتعايش مع الآخرين ونتقبلهم كما هم بهذه الطريقة نكون قد استفدنا حقًا من رمضان وحققنا مكاسبه المنشودة التي يجب أن نتمسك بها وألا نفرط فيها أبداً.

faisalak17@gmail.com