حميد بن مسلم السعيدي
استطاع الإنسان العُماني أن يبني حضارة عميقة في التاريخ البشري، ولم تنحصر ضمن الحدود الجغرافية العُمانية فحسب، وإنما امتد دورها الحضاري ليشمل حضارات وشعوبا متعددة، فحققت التواصل الحضاري مع مختلف شعوب العالم، حمل أبناؤها لواء التأثير لهذه الشعوب، وتركوا إرثاً تذكره الأجيال وتتمجد به، حيث نبغ العمانيون في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية والدينية، وأسسوا مكانة لهم في مختلف الحضارات بما أنتجوه من علم وفكر ومعرفة كان له دور في التقدم الحضاري، ولم ينحصر هذا الدور على الإنتاج الحضاري فحسب بل كانوا حماة الشعوب المستضعفة وأصحاب رسالة قوامها السلام والتسامح ورفع الظلم عن المستجيرين بهم، لذا أصبحوا سادة المحيط الهندي وحراساً لبوابة الخليج العربي، كما رفعوا راية الدين الإسلامي وساهموا في الفتوحات ونشر الدين في مختلف شعوب المنطقة، لذا امتدت الأراضي العمانية عبر العصور وشملت بقاعا مختلفة في قارات آسيا وأفريقيا لتشكل إمبراطورية عظيمة. وهذا الموروث الحضاري يمثل جزءا لا يتجزأ من الهوية العُمانية التي يمتلكها العمانيون دون غيرهم، وهي ثروة وطنية يجب الدفاع عنها، في ظل رغبة البعض الاستسقاء منها، لذا فإنَّ هذه الموروث العماني قد سال لعاب بعضهم رغبة منهم في تأسيس تاريخ وحضارة متناسين أن هذا التاريخ لا يورث ولا يمنح، فهو ليس سلعة يمكن سرقتها أو شراؤها، وإنما حضارة إنسان عاش على أرض وطن.
وما يثير الشارع العُماني والرسمي هو محاولة الاعتداء على تاريخ هذا الوطن، وسرقة أحد مكوناته وإنجازاته ونسبها لمن لا يستحقها، هو تاريخ لا يشترك فيه اثنان ولا يقبل القسمة أو المنحة، فهو ملك متأصل لدى العمانيين وجزء من حضارتهم وهويتهم الأصيلة، وهو نابع من العمل الوطني والروح العالية التي تميز بها العمانيون على مر التاريخ فاستطاعوا أن يكونوا بناة حضارة لا معاول هدم، هذا التاريخ الذي يزخر بالكثير من الإنجازات التي يجب أن يحافظ عليها أبناء هذا الوطن، لأنه يمثل ركيزة أساسية في بناء نهضتهم الحديثة.
لذا وجَّه جلالة السلطان قابوس دعوته إلى التمسك بالتراث العُماني وعدم التفريط به "إننا تمسكنا بهويتنا وبما يصلحنا، ما نسينا أنفسنا في خضم هذا التطور، والكثيرون يحسدوننا على هذا ولذلك يجب أن نتمسك به أكثر فأكثر، وأكرر القول إنَّ التراث هو الإنسان ذاته وإنه عندما يطور فكره ويبدع هو بنفسه يصبح التراث نفسه" هذه الدعوة من جلالته يجب أن تكون وساماً على صدر كل عماني يؤمن بأنَّ هذا الوطن وترابه هو أغلى ما يملك وأن هذا الموروث الحضاري يجب أن يكون هو عنوان الهوية الوطنية، فهو مصدر العزة والفخر والعمل والاجتهاد والمثابرة من أجل الوطن، هنا تكمن أهمية التاريخ العماني وهو ما أكد عليه جلالة السلطان قابوس "ومن هذا المنطلق كان اهتمامي أنا الشخصي واهتمام حكومة السلطنة وأيضًا اهتمام الشعب العماني ككل بتراثه وتقاليده فهو ينظر إلى ماضيه ليستمد منـه مستقبله، حاضـره يعيشه، لكن القصد همـا جناح الغابر وجناح المستقبل، وبهذا يكون الإنسان العماني قد عمل على أن المدنية بما فيها من خير وشر أحياناً لا تفقده هويته، وهذا من أهم الأمور للاهتمام بالتراث".
حيث إن التاريخ العماني كان غنيا بالأحداث التاريخية التي رسمت لوحة من الإنجازات العظيمة على مر العصور، ولم يترك العمانيون مرحلة تاريخية دون أن يتركوا أثرا واضحا فيها، ففترة ما قبل الميلاد كانت الحضارة العمانية بارزة بقوة، وفترة الحضارات الإنسانية في بلاد الرافدين ومصر واليمن وفارس، كانت عمان ملتقى تلك الحضارات، وفي فترة الإسلام كان العمانيون حماة للدين ولواء لنشر الإسلام في مختلف قارات العالم، لذا ظهرت العديد من الشخصيات القيادية التي سجلت تاريخاً مشرفاً باسم عمان، ويعتبر المهلب بن أبي صفرة الأزدي العماني من الشخصيات العمانية التي حملت لواء الإسلام عبر قارة آسيا، ينشر الدين الإسلامي ويوثق الصلات مع الشعوب المختلفة، تلك الشخصية تمثل وساماً على كل شاب عماني أن يعمل من أجل رفعة راية هذا الوطن في المحافل الدولية ويقدم صورة مشرفة للإنسان العُماني، وهذا ما يحدث اليوم حيث أصبح العماني شخصية اعتبارية على مستوى العالم، وهي صورة مشرفة لهذا الوطن.
هذا الإرث الكبير الذي خلفه العمانيون على مدى التاريخ الإنساني العظيم، استطاع أن يرسم لوحة تاريخية لا تزيفها العصور، ولا تغيرها الأزمنة ولا الإنسان، ونحن نقف أمام مشهد عظيم وهو وقوف كل عماني دفاعا عن تاريخ الوطن، لنقدم رسالة وطنية شاهدة على أن الشعب العماني برمته يدافع عن تاريخه في ملحمة وطنية أثبتت أن العمانيين متمسكون بأرضهم وتاريخهم وحضارتهم، وما نشهده من حراك مجتمعي وعلمي وإعلامي دليل على مدى تمسكنا بالهوية الوطنية القائمة على الموروث الحضاري. وفي هذا الشأن يؤكد جلالة السلطان على "أن الذي ليس له ماض ليس له حاضر ولا مستقبل، وأن من نسي تراثه وتاريخه لا بد أن ينساه الناس، يصبح كالإنسان الذي لا يعرف أبويه ويصبح مشردا لا أحد يعرف شيئًا عنه ولا أحد يعرف أصله" هكذا نؤمن بأن هذا الموروث الحضاري هو ملك للعمانيين دون غيرهم، ويجب أن يصان بحكم القانون، ووفقًا لما تنص عليه النصوص الدولية، كما يجب على المؤسسات الحكومية أن تبرز دورها في تعليم النشء هذا التاريخ ليكون لهم مصدرا للتعلم والعمل من أجل الوطن.