السودان بلد السياحة الواعد

 

عبدالله العجمي

يظلّ الشعور بالغربة مُلازماً لكل مسافر يتعدى حدود وطنه، وما أقساه من شعور، لكن هنالك بلدان لا يشعر المُسافر فيها بأيِّ غربة خلال زيارته لها، ومن بين هذه الدول التي زرتها السودان..

كنت قد زرت هذا البلد الجميل بأهله وطبيعته في تجربة فريدة، بعيداً عمّا يصوّره وينقله لنا الإعلام، وبعيداً عن القلق الذي غرسته الكثير من الأفكار المشوّهة عن هذا البلد الأصيل، ولعلّ ما رأيته ولمسته يُحتّم عليَّ أن أوقد شمعة أمل لتصحّح الكثير من الأفكار المغلوطة التي ما فتئ الإعلام يروجها عن هذا البلد من فقر أو حروب أو فرقة، وهو حتماً يستحقّ أكثر مما سأكتب.. فقد يضخّم لنا الإعلام البلاد الصغيرة، ويضيّق علينا الواسع منها، وربما سلّط الإعلام الضوء على جانب صغير لكي ننشغل عن تأمل بقية الجوانب المشرقة والتي تستحق التأمّل والوقوف عندها.

السودان كنز من الجمال بأنهاره ومناخاته المُتعددة، وهو بلدٌ بِكر، به من التنوع الثقافي ما تحدثنا عنه تلك الخرزات اللامعة في ثياب المرأة السودانية، وبه من التنوع العرقي ما يُمكن أن تستشفّه من طريقة لفّ العمائم البيض على رؤوس رجالها، وكأن بياض عمائمهم تعكس لنا بياض قلوبهم وصفاء نفوسهم، ولا يحتاج هذا البلد العريق من الدول العربية والإسلامية إلا الالتفاف حوله ومؤازرته اقتصادياً وسياسياً في هذه المرحلة الحساسة، خاصة بعد رفع العقوبات الأمريكية عنه في أكتوبر الماضي بعد أن استمرت لعقدين من الزمن..

ولعلّ ما أبهرني أنَّ بهذا البلد ما يزيد على المائتي هرم وأكثر من مئة مقبرة أثرية كلها تعود إلى قرون ما قبل الميلاد، أي أنَّ الحضارة الفرعونية ترفد هذا البلد بقضّها وقضيضها، ما يستدعي توثيق ذلك علمياً وتسويقه إعلامياً ليُصبح السودان قبلة سياحية تراثية على مستوى العالم، حيث الحضارة وبدايات التاريخ كلها تُشير بأصابعها إلى السودان.

أما نهر النيل فله حكاية مختلفة في هذا البلد الذي احتواه بشقّيه الأبيض والأزرق، وكأنه نهر من أنهار الجنة انقسم إلى قسمين ليلتقيان في منطقة المقرن أو مقرن النيلين في العاصمة السودانية الخرطوم ويرسم لوحة جمالية في غاية الحسن والجمال.. وكأن النيل يعزف لزائريه سيمفونية تروي حكاية طموح السودان، وكأن خصوبة تربته دليل على همّة أهله في تنمية بلدهم انطلاقاً من ملتقى النيلين بالخرطوم، تلك المدينة الجميلة المُريحة للنفس، المبهجة للقلب، المتوشحة بالتربة الحمراء الغنية بالمعادن الطبيعية.

السودانيون شعب عالي الثقافة، مُطّلع على ما يحدث حوله من أحداث، محافظ على طيبته وتواضعه، ولديه من الأدباء والكتاب من يشار إليهم بالبنان، كيف لا وفي السودان جامعة من أعرق الجامعات الأفريقية والشرق أوسطية حيث يعود تاريخ إنشائها إلى مطلع القرن المنصرم فسلام عليك أيها الشعب الأصيل.

أحدثكم عن روعة السودان وبساطة أهله ليس لشيء إلا لأني أرى أنه وبرغم تواضعهم إلا أنه لم يُنسهم طموحهم، وأرى فيه ثقلاً عربياً إسلامياً أفريقياً يستطيع أن يلعب دوراً –إن سُنح له- في توحيد الصف العربي ولملمة ملفاته ومحاولة إعادة البوصلة إلى كثير من المشاريع العربية من جانب والاتحاد الأفريقي من جانب آخر، كيف لا وهو يقع في مفترق طرق التجارة بين جنوب القارة الأفريقية وشمالها لاسيما كونه أحد المداخل المهمة للدول العربية من جهة الجنوب، زد على ذلك أنَّ للسودان حدود دولية تتصل مع سبعة بلدان أفريقية لها ثقلها، لكن يا ترى.. هل سمعنا عن هذا الجانب المشرق للسودان في فضائية عربية؟ هل من قناة خصصت حلقة تُحدثنا فيها عن الطبيعة الساحرة التي تزخر بها السودان، وهل من متحدث ينبئ عن كرم هذا الشعب الأصيل؟؟

أوجه دعوة من هذا الموقع لكل مُنتج أو مُخرج أو مُصوّر يبحث عن الطبيعة العذراء فعليه بالسودان، فهي أرض السياحة الواعدة في القارة الأفريقية، ولكل مستثمر أقول: فكّر في السودان فالأرض غنية بالموارد، ولكل فرد منِّا أقول: هلا فكرت يوماً بزيارة السودان؟ فهو بلد يأسرك بما يزخر به من طبيعة.