حمود بن علي الطوقي
تقرير صندوق النقد الدولي عن الأوضاع الاقتصادية للسلطنة كان بالنسبة لي بمثابة هزة كهربائية لإنعاش العجلة الاقتصادية، التي تمر بها البلاد منذ بداية أزمة انخفاض أسعار النفط قبل 3 سنوات.
تقرير الصندوق حمل نصائح اعتبرها المواطن تمس نسيجه الوطني، وهذا ما نرفضه جملة وتفصيلا، ولكن كون التقرير صدر من منظمة مشهود لها بالمهنية، فيجب علينا أن نثبت حكومة وشعبا عكس ما ينشده الصندوق من نصائح يراها البعض غير منطقية كتخفيض الأجور وفرض الضرائب وإلغاء مجانية التعليم، ونعمل على إبراز معطيات ونثبت أن اقتصادنا قادر على تجاوز هذه الأزمة وغيرها من الأزمات بأن علينا أن نوجه البوصلة فيما يفيدنا، ويعكس النصائح التي أتى بها صندوق النقد. علينا أن نبرز ذلك على الواقع المعاش بحيث نجعل المواطن في أعلى متطلبات الهرم كما أراد حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد -حفظه الله ورعاه – حيث تذكرون أول خطاب لجلالته عند توليه مقاليد الحكم مخاطبا شعبه: "سأعمل بأسرع ما يمكن لأجعلكم تعيشون سعداء". هذا الفكر المستنير يجب أن يكون صمام الأمان لهذا الشعب الوفي وخارطة. الطريق للحكومة أثناء وضع خططها التنموية.
تقرير صندوق النقد الذي جاء ناصحا يجب أن نستفيد منه ونتلمّس أخطاءنا ونضع برامج تصحيحية آنية، ونضع المواطن كرهان أنّه هو محور التنمية ولا مساس بحقوقه ورفاهيته. بهذا الفكر حتما سنتجاوز المشاكل ولا نسمح لأيا كان بتقييمنا وإملاء نصائح لا تناسب ثوبنا.
في المقابل يجب أن نعترف ونصارح أنفسنا بالتقصير، الأمر الذي أوصلنا إلى مرحلة تأتي فيها مؤسسات دولية لتقديم الرأي والنصح.
كمتابع لما يحدث وما يجري من خطوات تصحيحية تقودها الحكومة من أجل المحافظة على الاستقرار الاقتصادي للبلاد يجب علينا خلال هذه المرحلة والمرحلة القادمة ونحن نخطط لرؤية عمان 2040 أن نركز على الإنفاق الرأسمالي الذي يدفع بالقطاع الخاص ويغذي عجلة الاقتصاد والتنمية، هذا من جانب ومن جانب آخر نعمل على خفض التكلفة التشغيلية للقطاع العام، ونبدأ في تخصيص المشاريع المربحة من خلال الاكتتابات العامة وتنشيط السوق الأولية في القطاعات التي يجب أن تشارك فيها الحكومة القطاع الخاص كالفنادق ومشاريع البتروكيماويات والخدمات اللوجيستية وغيرها من القطاعات الواعدة كمشاريع الطاقة والغاز.
يجب أيضا أن نعي أنّ تخفيض التكلفة التشغيلية للقطاع العام لا تعني المساس بالأجور لهذا نجزم أن المرحلة الحالية والمستقبلية تتطلب تحليل أهداف مؤسسات القطاع العام المتداخلة وتقييم إمكانية اندماجها وإلغاء تلك المؤسسات التي تثقل كاهل الدولة فالدمج أحد أهم الخيارات التي يجب أن تتبناها الحكومة الرشيدة لترشيد الإنفاق، وسبق أن طرحنا هذا الموضوع في مقالاتنا السابقة.
هناك أمر آخر قد يكون مرتبطا برفاهية المواطن وأراه أمرًا في غاية الأهمية وهي أنّ فاتورة التقاعد الشهرية التي يتقاضاها المواطن المتقاعد أقل من نظيراتها للرواتب، وهناك الكثير من منتسبي القطاع العام ممن ينتظر التقاعد ولو قدّمت الحكومة عرضًا جيدًا فستوفر على المدى القصير الكثير من بند الأجور، وستُحفز المواطن على التقاعد المبكر، ليفتح الباب والمجال أمام مئات الوظائف التي ينتظرها الشباب.
يجب أن نوقن تماما أنّ جهود الحكومة دائمًا في مصلحة المواطن، وتجتهد في تقديم كل ما يهم المواطن، ولكن نرى أنّ توفير فرص العمل سيظل التحدي المستمر ولن ينتهي بتوظيف 25 ألف وظيفة في القطاع الخاص لذلك فإنّ الحل الحقيقي هو استدامة ونمو اقتصادي يستطيع أن يمتص المخرجات السنوية للباحثين عّن عمل، وذلك الاقتصاد يجب أن يكون متنوعا ومتمكنا وجريئا وقادرا على تقديم الحلول الآنية.
نقطة أخرى يتطلب منا أن نفهمها جيدا و لا يجب أن نعتبر نمو الإيرادات غير النفطية من رسوم أو ضرائب أو مخالفات أو غيرها هدفا للتنويع الاقتصادي، فإن التنويع الحقيقي هو مساهمة القطاعات التي طالما استهدفت منذ بداية الخطط الخمسية، وهي قطاعات واعدة كقطاع الثروة السمكية والسياحة والصناعات التحولية والآن يجب أن يكون تقييم تلك المساهمات مستقلا ومعلنا للعامة حتى يتعرف المواطن ما يحدث حوله من تطورات.
هناك نقطة أخرى يتطلب من الحكومة أن تدركها وهي منع الاحتكار ولا يتطلب من القطاع الخاص أن يكون مستحوذا من قبل عوائل وأفراد بل يجب أن يشارك جميع أبناء الوطن في رفد الاقتصاد ويعملون جنبا إلى جنب في المحافظة على النسيج العُماني المتماسك الذي لا يمكن أن يتأثر بعوامل خارجية.
علينا أن نغرس ثقافة التعاون والتكاتف بين جميع مكونات المجتمع من المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني ونساعد الحكومة في برامجها كترشيد الإنفاق وترشيد الاستهلاك ونعمل معا من أجل المحافظة على النسيج الوطني الذي يشار إليه بالبنان.