كرسي المسؤول.. بين شرف المنصب وثقل الأمانة

حمود بن علي الطوقي

في عالمٍ مكتظٍ بالتغريدات والآراء المتسارعة، نادرًا ما تترك كلمة موجزة أثرًا عميقًا… لكن ما كتبته مؤخرًا في تغريدة، كان استثناءً.

تغريدة نُسجت من تجربةٍ شخصية لرجلٍ شغل منصبًا قياديًا سابقًا، صارحني بصدق قائلاً: "حين كنت في المنصب، كنت أرى الروتين والبيروقراطية شطارة ونظامًا، كنا نعقّد الإجراءات على الناس دون أن نشعر، لكن بعد تقاعدي، وجدت نفسي أطرق الأبواب ذاتها التي كنا نغلقها، وعندها فقط أدركت أننا كنّا نُعذّب المواطنين رسميًا. لو عاد بي الزمن، لأصلحت ما أفسده الروتين".

تغريدة واحدة، تجاوزت 130 ألف مشاهدة، وأصبحت حديث المجالس، ومنصات التواصل الاجتماعي لِما حملته من صدقٍ وتجربةٍ مؤلمة. وجدت صداها بين مختلف فئات المجتمع، ومن بينهم مسؤولون ووزراء سابقون وحاليون، لأن رسالتها كانت واضحة: "المسؤولية ليست سلطة، بل أمانة".

رغم قصرها، فقد اختزلت التغريدة دعوةً صريحة لإعادة النظر في مفهوم المنصب، والتأكيد أن الكرسي لا يصنع المسؤول، بل الضمير الحيّ، والإخلاص في أداء الواجب.

وفي هذا السياق، لا بد من استحضار التوجيهات الصادقة من لدن مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- الذي يقود نهضتنا المتجددة بثبات واقتدار، إذ شدد في أكثر من مناسبة على أن: "المسؤولية تكليف لا تشريف، وعلى من يتولى مسؤولية أن يتحمل قراراته، ويُخلص في عمله، ويكون قادرًا على تبرير أفعاله عند المساءلة".

حسبنا أن توجيهات سامية ترسم ملامح الحكم الرشيد وخريطة الطريق، الذي يوجب على المسؤول أن يُحاسب نفسه قبل أن يُحاسبه الآخرون، وأن يتّقي الله في كل قرار يتخذه، خاصة إذا ما تعلق بمصالح العباد والبلاد.

ونحن كأصحاب أقلام، من الصحفيين حين ننتقد، فإننا لا نفعل ذلك إلا من منطلق مسؤوليتنا الوطنية والأخلاقية، فالصحافة الجادة تمارس النقد البناء لا من أجل التشهير، بل من أجل الإصلاح والتقويم.

وفي المقابل، لا بد أن نثمّن الجهود الحكومية التي تبذل في سبيل تبسيط الإجراءات وتحسين تجربة المواطن، ومن ذلك ما بادرت إليه بعض الجهات الحكومية من تخصيص قاعات مهيأة للمراجعين، في خطوة إيجابية تُعزز ثقافة الاحترام وتُبسط الإجراءات، وتترجم توجه الحكومة نحو تطوير العمل المؤسسي وإرساء مفهوم الحوكمة وتحقيق رضا المواطن.

وهنا، أحب أن أهمس في أذن كل من تولّى مسؤولية، موظفًا كان أو مديرًا أو مسؤولًا رفيعًا: اجعل من موقعك الوظيفي طريقًا لخدمة المواطن، لا وسيلة لتعقيد أمورهم، فأعظم ما يمكن أن تُنجزه في يومك، أن يخرج المراجع من مكتبك راضيًا من المعاملة، شاكرًا لحسن الاستقبال، مقدّرًا لسرعة الإنجاز.

فكلمة شكرا التي تخرج من قلب مواطن قدمت له الخدمة، هي شهادة تُكتب في صحيفة أعمالك.

أما المسؤول الذي شاركني تجربته فقد أطلق شرارة منبهًا: إن التعقيد والبيروقراطية لا مبرر لهما في هذا الزمن الذي نراه زمن عجلته متسارعة ولا مجال للتبرير وتعقيد في الإجراءات.

أخيرا نقول لكل مسؤول: لا تغتر بالمنصب… فسيأتي يوم تكون فيه على الجهة الأخرى من الطاولة، تنتظر معاملة وستكون أمام موقف تعرف من خلاله طبيعة عمل المسؤول. هل خرجت من عنده راضيا أو مهموما، فالكرسي الذي تجلس عليه اليوم، حتما لن يدوم لك، ولكنّ الأثر الذي تعمله في خدمة العباد والبلاد باقٍ لا محالة، وما يخلّد المسؤول ليس المنصب الذي تقلّده، بل البصمة التي تركها، والقلوب التي دعت له بصدق بعد رحيله.

الأكثر قراءة