بيان الخارجية العمانية.. ماذا حدث؟!

زاهر المحروقي

ظللنا لسنوات طويلة نتحدث عن السياسة الخارجية العُمانية الناجحة؛ مُؤمنين بأنها كانت مميزة، وأبعدت عُمان عن الصراعات الإقليمية والدولية؛ وهي السياسة التي أعطت عُمان مكانة بارزة في السياسات الدولية، سمحت لها أن تقوم بأدوار سياسية تصالحية بين العديد من الأطراف الدولية؛ وهي الأدوار التي لم تستطع أن تقوم بها بعض الدول التي تملك المال. وبالتأكيد فإن نجاح تلك السياسة لم يأت من فراغ، فقد كان وراءه تخطيطٌ محكم، في ظل غياب التخطيط في الكثير من السياسات الداخلية، وربما يأتي في المقدمة السياسات الاقتصادية.

عندما قرأتُ حوارات صاحب الجلالة السلطان المعظم، مع وسائل الإعلام العربية والعالمية، التي أجرتها معه طوال أربعين عامًا، بين عامي 1971-2011، استغرقت تمامًا مع المواقف العمانية الثابتة في السياسة الخارجية العمانية، وكانت قراءتي لتلك الحوارات، هي إعادة الاكتشاف من جديد، لفكر صاحب الجلالة السلطان المعظم، وكذلك للسياسة الخارجية الثابتة في كل القضايا الإقليمية والعربية والدولية، بمعنى أن ما صرح به جلالته عام 1971، ظل ثابتًا لم يتغير. وهو ما تم تطبيقه على أرض الواقع، فلم تدخل المزاجية في تشكيل تلك السياسة، ولا النفع المؤقت؛ وإنما كانت مصلحة عمان والأوطان والشعوب العربية هي المحرك الرئيسي لتلك التوجهات، والتي تركزت حول عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، وعدم المشاركة في إراقة الدماء العربية، وعدم تبعية السلطنة لأي نظامٍ كان، مع المحافظة على استقلال القرار العماني. وكل ذلك فتح باب الأقاويل والتهم لعُمان على مصراعيه، إلا أن الحكومة العمانية ظلت ثابتة تمارس ما تؤمن به، وأثبتت الأيام صحة تلك السياسات.

ورغم إيماني بأن السياسة العمانية الخارجية ثابتة؛ إلا أن هناك ما يقلق من تغير هذه السياسة مستقبلا، وقد بدأت بوادر ذلك في الظهور، عندما أعلنت السعودية عن انضمام عُمان إلى ما سمي بالتحالف العسكري ضد الإرهاب بعد الممانعة والتأخر في الانضمام بسنة كاملة. والآن جاء بيان وزارة الخارجية عبر موقعها الرسمي عن تأييدها للضربات العدوانية ضد سوريا ليزيد من ذلك القلق والمخاوف، من تبدل السياسة الخارجية العمانية.

لقد شكَّك الكثيرون في صدق ذلك البيان؛ لأن ما جاء فيه يتنافى مع السياسة العمانية الثابتة ضد إراقة الدماء والاعتداء على الدول؛ واعتقدَ آخرون أن موقع وزارة الخارجية قد اختُرق؛ خاصة أن البيان كان في الموقع فقط ولم تنشره وكالة الأنباء العمانية، وأن الصيغة كانت ركيكة جدًا؛ حيث جاء فيه: "تعرب السلطنة عن تأييدها للأسباب التي أدت بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا للقيام بالإجراءات العسكرية ضد المنشآت العسكرية السورية"، ولا يمكن أن يُفهم من البيان أن السلطنة تؤيد الضربات ضد سوريا، بقدر ما يُفهم أن السلطنة تؤيد الأسباب التي أدت إلى الضربة، وهي -حسب الدول المعتدية- قتل الشعب السوري بالكيماوي؛ ودارت نقاشاتٌ مستفيضة حول صيغة البيان في مواقع التواصل الاجتماعي. وعبر البعض عن دهشته من بيان وزارة الخارجية، كما احتار محبو السلطنة في الوطن العربي ممن يُثمنون ويقدرون مواقفها من الأمر، الذي جاء بعد أسبوعين فقط من استقبال وليد المعلم وزير الخارجية السوري والاحتفال بافتتاح السفارة السورية في مسقط.

أيًّا ما كان الأمر؛ فإن عُمان قد تعرضت لما هو أشد، عندما اتخذت مواقف مستقلة في قراراتها في السنوات الماضية؛ مثل تأييدها للرئيس الراحل أنور السادات، وعدم مقاطعة مصر، والاحتفاظ بالعلاقات الجيدة مع بغداد وطهران، وكذلك الاحتفاظ بالعلاقات الرسمية مع سوريا؛ فكان الصمت هو الأولى وهو الحكمة؛ لذا فلا أرى لومًا لمن يقلق من بعض الإشارات التي بدأت تظهر للملأ؛ فقد كانت السياسات الخارجية العمانية مضرب المثل في الرزانة والعقلانية، ويجب أن تبقى كذلك؛ فالخوفُ دائمًا من آخر المشوار وليس من بدايته. ولا يحتاج الأمر أن نذكر فبركات الكيماوي كما حدث مع فبركات أسلحة الدمار الشامل في العراق؛ كما أنه لا يحتاج أن نذكر مخطط تدمير الدول العربية الرئيسية بتخطيط غربي وتمويل عربي، ولا يحتاج أن نذكر بأن المشكلة ليست في شخص بشار الأسد، أو في دعم الشعب السوري وتحريره؛ فالمسألةُ أكبر من ذلك بكثير؛ إذ إن سوريا هي المستهدفة، ضمن استهداف الدول العربية الرئيسية، قبل أن يأتي الدور على المتآمرين. وتلك قصةٌ أخرى، ليس هنا مجالها.