الحياة بلا إنترنت

مدرين المكتومية

حين ترتبط الحياة بوجود أمر ما، حينها يصبح كل شيء قائمًا عليه، ولا تتحرك إلا به وبوجوده؛ فتقف عند توقفه أو الانتهاء منه، وتتحرك بحسب إيقاعه وديناميكيته. وعندما أتحدث عن الارتباط بالأشياء، فإنني أتحدث عن الارتباط التام؛ ذلك الارتباط الذي لا يُمكن أن ننفصل عنه نهائيًّا؛ فالانفصال عنه أشبه بالتوقف عن الحياة.

وقد يخطُر ببال البعض أنَّ الارتباط المقصود هو ارتباط الحبيب أو القريب، لكن ما أقصده هو ذلك الارتباط بشيء لا ملموس ولا محسوس، والكثير منا لا يعرف كينونته.. إنه الساحر الخفي: الإنترنت.

وبتفكير سريع، نكتشفُ أن الارتباط به سهل، لكن الانفصال عنه ليس بالسهولة التي نعتقدها، نعم هناك من يستطيع العيش بدون إنترنت، ولكن هناك أناس عاشوا مع تلك التقنية حياتهم بأكملها، ولا يمكنهم أن يمتلكوا أصدقاء حقيقيين بقدر ما يمكنهم أن يمتلكوا أصدقاء افتراضيين، وهناك من أصابه الهوس بكل ما يحمله ذلك الإنترنت عبر أجهزة صغيرة نحركها بأطراف أناملنا، فدعونا نتخيل قليلا ولو للحظات كيف سيكون شكل الحياة بدون إنترنت! أو كيف ستكون حال البشر بالتحديد بدون إنترنت!! سيكون الأمر ببساطه أشبه بحالة من الانهزام في حرب قاتلة.

ولا نتجاهل أنَّ الحياة التي اعتادها الجيل الجديد أو البشر مع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، جعلتهم يتخلون عن مذاق الحياة الحقيقي، ويتنازلون عن تلك الحياة التي تجمع الناس مع بعضها البعض في جلسة ود أو اجتماع عائلي، بل جعلتهم يجدون متعًا أكثر خلف شاشات الهاتف، ولكن لو عدنا للوراء لإجابة السؤال، لوجدنا أن البشر سيفقدون أبسط سبل التواصل مع بعضهم البعض؛ فبمجرد أن ينتهي العالم من الإنترنت سينتهي البشر من أنفسهم، وسيخسرون تلك القدرة على الاتصال والاستمتاع بملذات الحياة؛ فالإنترنت حول الناس، وهو من جعل كل فرد منهم متقوقعا على نفسه ولا يدرك جمال الحياة، إلا مع عالمه الافتراضي الذي جعله يفقد أبسط مقومات السعادة، وجعله يعيش فقط بسعادة اللحظة غير المحسوبة، والتي ستنعدم وتنتهي بانتهاء هذه العوالم.

ليس هذا فقط، هناك مشكلة أخرى وهي أنَّ الإنترنت جعلنا موهومين بالكثير من الأشياء، ومهوسين بها لدرجة أننا أصبحنا نحاول جاهدين تقليد الآخرين فيما يقومون به، ونعجب بالكثير من الشخصيات التي لم نكن نعرفها أساسا، وكرهنا شخصيات كانت تمثل لنا الجمال، وقمنا بتغيير نظرتنا لأنفسنا بما يتناسب مع المتابعين حتى نعجب الآخر، ونسينا أن هناك علاقات إنسانية يجب أن تظل قائمة مهما كانت الظروف؛ لأننا في النهاية لا ننتمي لأي أحد سوى أنفسنا والآخرين، فبرغم أهمية الإنترنت والاستفادة العظمى التي قدمها لنا كبشر، إلا أنه يبقى أيضا محلَّ خوف وشكوك من الإشكاليات والعادات التي أضافها إلى المجتمع.

ورغم هذا كله، أصبح الإنترنت بالفعل كالماء والهواء الذي لا يمكن الاستغناء عنه، وكما أن له تأثيرات سلبية بعض الشيء على المجتمع وعلاقات البشر المباشرة، إلا أنه على المستوى الفردي أصبح يعني لكل فرد نافذة على كل شيء ليس فقط مِن حوله أو في بلده، بل في الكرة الأرضية كلها.

madreen@alroya.info