طالب المقبالي
الكل يسعد بنبأ مولود جديد يأتيه، أو يأتي أخيه أو ابنه أو ابنته، أو يأتي صديقه أو جاره.
لكن مولودي مختلف، والفرحة بهذا المولود لا يُدرك قيمتها إلا من يترقب مولوداً مثله.
فمنذ العام 2014، وأنا أعد العدة لهذا الحدث الذي كان حلماً وأصبح اليوم واقعاً.
فالتجهيزات الأولية لهذا المولود مختلفة تماماً عن التجهيزات التي يتطلبها المولود الذي ينتظره في العادة كل إنسان.
مولودي تطلب قرابة ثلاث سنوات من التحضير والتجهيز كي يخرج إلى العالم الفسيح.
مولودي يمكن أن يكون لدى أي فرد منكم ويستمتع به ويستأنس به دون عناء أو تعب.
مولودي هذا كتابي الذي أطلقت عليه اسم "رسائل" لأنه بالفعل يحمل رسائل مباشرة وغير مباشرة لخدمة هذا الوطن الغالي ومن يعيش على أرضه.
كتابي هو امتداد للعمل التطوعي الذي سخرت له قلمي منذ سن الطفولة، حين أوجه رسائل مناشدة للجهات الحكومية عبر زاوية رسائل القراء في الصحف المحلية بطلب خدمات لولايتي التي أعتز بها كثيراً، وآثرت البقاء على أرضها رغم المُغريات والعروض الكثيرة للعمل والعيش خارجها.
لكنني آثرت البقاء بجوار بساتين الرستاق متنقلاً بين سبأ وطوي المخرج والمنجل، التي شهدت شقاوة طفولتي، فأرمي ثمرات الأمبا بالحجارة كي أتلذذ بطعم المانجو الخيلي اللذيذ.
ويكفي أنني عندما أستفيق من نومي أصحو على زقزقة عصافير بيت القرن على السدرة المجاورة لمنزلي المبني بالطين، فأشاهد أمامي قلعة الرستاق الشامخة التي أسكن تحت أسوارها وعلى بعد بضع أمتار عن منزلي، فعن يميني أشاهد ضريح الإمام أحمد بن سعيد، وعن شمالي أشاهد ضريح الإمام سيف بن سلطان "قيد الأرض".
واستحم كل صباح في فلجها الدفاق، فلج الصايغي الدافئ، وعلى بعد أقل من كيلومتر عين الكسفة التي يقصدها الناس من أقاصي المعمورة للاستشفاء بمياهها الكبريتية الحارة، وهي على بعد بضع مئات الأمتار من سكني.
هذه الولاية تستحق التضحية، وتستحق أن يفرد لها كتب وليس كتاب واحد.
"رسائل" كتاب احتوى على هواجس في داخلي حولتها إلى رسائل موجهة إلى الجهات المعنية للمطالب ببعض الخدمات وتحسين خدمات أخرى قائمة في الرستاق.
وبعد أن أخذت مقالاتي مكانتها، فأصبح لها متابعون خرجتُ من إطار ولاية الرستاق إلى كثير من الولايات، فسلطت الأضواء على كثير من الأمور، وأبرزت الكثير من الفعاليات فيها.
فقد كتبت مقالات في مواضيع عامة تهم عُمان ومحافظاتها الإحدى عشر.
فعلى سبيل المثال كتبت عن الإعاقة والمعاقين وحقوقهم، وكتبت على الملفات التجسسية والفيروسات التي تصيب أجهزتنا للتحذير منها، وكتبت عن الواتساب مساوئه وحسناته، وكتبت عن الإنترنت ومصادرها غير الموثوقة أحياناً، وكتبت عن ضعف الإنترنت، كما كتبت قصتي الغريبة من المُخالفة المرورية غير المقصودة والتي قضت على ملف خال من المخالفات المرورية طوال 35 عاماً، وكتبت عن أعيادنا زمان لما تحويه من تفاصيل ومفردات جميلة، وكتبت عن القبيلة وتشجيعها لما سببه ذلك في كثير من الإخفاقات والمشاكل التي تعترض مسيرة التقدم والتطور والنمو في البلاد.
كما أنني كتبت عن تكريم المجيدين والاختيار العشوائي للمكرمين، كذلك كتبت عن رأيي في عمل المرأة، وكتبت عن الرحلة الأولى للعلاج التي قام بها مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه-.
كل هذه المقالات تهم الوطن شماله وجنوبه، شرقه وغربه.
فمن المقالات التي كتبتها مقال عن الشعوب التي تنتج، في المُقابل نحن نستهلك، ومقال عن تأليف ونشر الإشاعات وما تسببه من أضرار للمجتمع، وكتبت أيضاً عن التحفيز والتثبيط والفشل، وكتبت عن تصرفات البعض ضد العمالة الوافدة مما يؤدي إلى الانتقام.
وكتبت عن الغش التجاري والطرق الملتوية التي تتبعها العمالة الوافدة من أجل الكسب السريع على حساب صحة وسلامة المواطن.
كما كتبت عن سياح البواخر التي لا تستفيد البلاد من وجودهم، حيث توفر لهم البواخر الإقامة والأكل والشرب، ويتجولون فقط في أروقة سوق مطرح من أجل التقاط الصور دون شراء أي شيء.
كما كتبت عن الطريق السريع وما يتطلبه من خدمات أساسية وضرورية كمحطات الوقود والمساجد والبقالات ودورات المياه، كما كتبت عن المصير المجهول للمصابين بمتلازمة داون في السلطنة، وكتبت عن المياه وعن المبادرات، وعن سدود التغذية الجوفية في صلالة وعن منطقة الدقم الاقتصادية، وعن ندوة الشيخ سالم بن حمد الحارثي في نيابة سناو بولاية المضيبي، كما كتبت عن التقاعد، وعن ترقيات 2010 وعن معاناة طلبة وطالبات الجامعة والكليات في شهر رمضان المبارك، وكتبت عن ظاهرة التبليغ عن دوريات الشرطة، وأخيراً كتبت عن الباحثين عن عمل، إلا أن الكتاب لا يتضمن هذا المقال، وسيكون ضمن الإصدار الثاني بإذنه تعالى.
لقد تطرقت في كتاباتي إلى كثير من القضايا في المجتمع، ولا يتسع المجال للتطرق إلى كل ما كتبت ولكن من باب الذكر لا الحصر.
وهي الرسالة الإنسانية التي تبنيتها منذ الصغر، وما زلت أواصل السير فيها إلى أن يشاء الله غير ذلك.
لقد تشرفت للمرة الأولى بأن يعرض لي كتاب في معرض مسقط الدولي للكتاب لعام 2018م.
الإحساس والشعور مختلف هذا العام حين كنت أزور معرض الكتاب، بين قارئ ومتسوق، وبين زيارتي له كصاحب إصدار وصاحب كتاب يعرض في أروقة هذا المعرض.
لقد كان وراء هذا الإنجاز شخص لن يصيبني الملل من الثناء على تشجيعه لي بالكتابة، ومن ثم تبنيه هذا الكتاب حتى رأى النور، إنه الأستاذ المكرم حاتم بن حمد الطائي رئيس مجلس إدارة مؤسسة الرؤيا للصحافة والنشر الذي دأب على تسخير مؤسسته لدعم المبادرات وتشجيعها.
والشكر موصول لكل من ساندني وشجعني، وكل من انتقدني لأصحح مساري واتخذ من الأخطاء دروساً أستفيد منها للخروج بعمل مميز.
muqbali@gmail.com