د. عبدالله باحجاج
من المُسلَّم به أن يصدر عن المجتمع التساؤل عن دور أعضاء مجلس الشورى وأعضاء المجالس البلدية في قضايا فرض الضرائب والرسوم أو رفعها، والتي كان آخرها رفع رسوم الخدمات الحكومية، كل أو معظم الأنشطة المهنية والتجارية والصناعية والزراعية وصيد الأسماك والتعدين والتقنية والإقامة والتأمين والمعلومات والفنون والتسلية والترفيه.. مجالات لا حصر لها، وفي كل مجال يفصل برسوم متباينة، وكل على حدة.
لو أخذنا الأنشطة الزراعية مثلاً وفق قرار رقم (1 يناير 2018) لمعالي وزير الدولة ومحافظ ظفار، فهناك رسوم على زراعة الخضراوات، وأخرى على زراعة الحبوب، وأخرى على زراعة الفواكه، ورسوم على زراعة الموالح، ورسوم على زراعة أشجار وشجيرات الفواكه الأخرى والجوزيات، ورسوم زراعة العنب، ورسوم على تربية الدواجن للمؤسسات الصغرى والصغيرة والمتوسطة، ورسوم أخرى على الكبيرة، ورسوم على تربية الضأن، وأخرى على الماعز، ورسوم على تربية الخيول، وأخرى على الجمال... كل صنف عليه رسوم مستقلة، وتلكم الرسوم في جزئياتها وكلياتها تشكل موارد مالية سنوية لبلدية ظفار مستحقة الدفع سنوياً على الأفراد والمؤسسات حتى الصغرى والصغيرة..
ويمكن القياس على هذا النشاط الزراعي في بقية الأنشطة الأخرى التي صدرت بقائمة طويلة وعريضة، وهذا حال شأن البلديات الأخرى، والحال نفسه للرسوم المفروضة على الخدمات الأخرى. وهذا مؤشر ينم عن انتهاء عصر الخدمات المجانية، ولم تستشر فيها المجالس البلدية، ولم تراع فيها الأبعاد المحلية لكل محافظة، ولا المجالات التي ينبغي أن تدعم حكومياً لا أن تفرض عليها رسوم أو رفعها، ويبدو أنها موحدة، وإن أخذ تنفيذها صفة القرارات المحلية المستقلة، فهل هذا التوجه سيدعم الأولويات الوطنية، كالأمن الغذائي؟
من هنا، ينبغي أن نتفهم توجه المجتمع بفئتيه المدنية والاقتصادية إلى التساؤل عن دور الأعضاء المنتخبين في مؤسساتنا التمثيلية، ويرفع صوت هذا التساؤل على وجه الخصوص الذين كانوا يراهنون على الشراكة بين الحكومة والشورى في صناعة القرار التنموي، وفي رسم السياسات المالية والاقتصادية لخطوات الانتقال من دولة الرعاية إلى دولة الجبايات، لكن وهذا هو التساؤل الملح الآن، هل ينبغي أن تستفرد الحكومة لوحدها بالتفكير في هذه النقلة الإستراتيجية، وفي اختيار مجالاتها وفي تحديد حجم رسومها؟ وتساؤل المجتمع يكتسب شرعيته من طبيعة ومضامين الخطوات المتخذة حتى الآن لهذا الانتقال، فبعد تحرير أسعار الوقود ورفع نسبة الضرائب، ووقف الترقيات وتراكم أعداد الباحثين عن عمل.. إلخ، تفاجأ المجتمع برفع رسوم خدمات الكثير من المؤسسات الحكومية دفعة واحدة، وفي وقت واحد، موجة من الرسوم نزلت فجأة على معظم الخدمات الحكومية لم تفرق بين المجالات التي تستحق الدعم بدلاً من فرض الرسوم عليها، كمربي الحيوانات الذين لا يتعاملون مع حيواناتهم من منظور تجاري، وإنما لها أبعاد نفسية واجتماعية، إلى درجة أنهم يعتبرونها ضمن منظومتهم النفسية، فكيف يفرض عليهم رسوم؟
هذا نموذج فقط نستشهد به لكي ندلل على انتفاء الدراسة الموضوعية للرسوم، واستبعاد الشركاء المنتخبين الذين يمثلون المجتمع، وكذلك استبعاد الشركاء الاقتصاديين الذين تمثلهم غرفة تجارة وصناعة عُمان وفروعها في المحافظات في تحديد الرسوم ومجالاتها، وماذا كانت نتيجة هذا الاستفراد الأحادي بالرسوم؟ أول الأطراف الذين تحفظوا عليها، كانت غرفة تجارة وصناعة عمان وفروعها المختلفة، فقد عقدت اجتماعات متواصلة، شهدت نقاشات ساخنة، كشفت عن حجم الضرر الذي سيقع على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من جراء الرسوم الجديدة، إلى حد أن الكثير من الأصوات قد دقت ناقوس الإغلاق، فيما تتهيأ المؤسسات الكبيرة على تحميل المجتمع تبعات الزيادة في الرسوم عبر رفع أسعارها، مما قد يجلعنا نشهد استياء اجتماعيا جديدا، يضيف عنصرا مثيرا في التراكمات السابقة.
هذا التطور الجديد، قد دفع بمكتب مجلس الشورى إلى عقد اجتماع، نجم عنه مطالبة مجلس الوزراء بتأجيل تطبيق الرسوم حتى تنتهي الغرفة من دراستها، وتقديم مرئياتها، وهنا يبدو أن المكتب قد وقع تحت ضغط كبير من القطاع الخاص مما دفع به إلى تلك المطالبة، فهل هذه الخطوة المنتظرة من الأعضاء؟ وهي المطالبة بالتأجيل فقط، هناك أدوات برلمانية ينبغي أن تستخدم تناغما مع هذا التطور وخطورته، على اعتبار أن الرسوم لم تعد شأن المجالس البلدية فقط، وإنما هو وطني بامتياز، فالعمل البرلماني في هذه الظرفية الوطنية يحتم استدعاء وزراء الخدمات والبلديات والقطاعات التي رفعت الرسوم، للبحث معها في أسبابها، وفي حجمها، ومجالاتها، ولماذا هذا التزامن الجماعي المثير في تطبيقها من قبل المؤسسات الحكومية الخدمية؟
وعقب هذه الاستدعاءات، ينبغي تشكيل فريق أزمة للتحاور مع مجلس الوزراء وبيوت التجار الرسمية، حتى يمكن تفادي التأثير على معيشة المواطنين وإغلاق المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ولو فرضت الأسعار الجديدة للخدمات البلدية والبيئة والطيران.. إلخ فماذا ستكون النتيجة؟ رأينا النتيجة في ارتفاع أسعار خط مسقط صلالة مسقط، وحتى الآن لا تزال تحلق في سماء العالمية وليس الوطنية، رغم الاستياء الاجتماعي، وهذا سيدخل في مخزون الاحتقان التراكمي، الذي نجد فيه، الكثير من الاستياءات بسبب الرسوم السابقة والضرائب المرتفعة، ووقف الترقيات، واستياء الباحثين عن عمل.. والآن تدخل في المخزون استياءات الرسوم الجديدة، وقريباً ضريبة القيمة المضافة.
إذن.. أين الأعضاء الممثلون دستوريًا عن المجتمع؟ التساؤل المجتمعي لا يزال قائمًا رغم مبادرة مكتب المجلس المتواضعة قياسًا بمجمل ما يحدث الآن خلال الظرفية الوطنية الراهنة، ويبدو لنا أن هناك إشكالية كبيرة بين الأعضاء أو في ميكانزمات وآليات العمل والأداء، وربما في الوعي، فالظرفية تستدعي عقد اجتماع عاجل للمجلس وليس الاكتفاء بجلسة للمكتب، فالحتمية الوطنية، تفرض هذا الاجتماع العام، ومن ثم تشكل فريق أزمة للتعاطي مع المرحلة ليس من منظور آخر مستجداتها وهي رفع رسوم الخدمات الحكومية وإنما بصورة شمولية في كل ما يحدث منذ منتصف عام 2014 وحتى الآن والمستقبل القريب؟ والرهان على العمل المؤسسي هو الضامن لمواجهة كل التحديات في بلادنا، وكل المؤسسات الدستورية والقانونية، يقع عليها مسؤولية التحرك خدمة للمصلحة العامة، نعلم أن الأدوات البرلمانية للمجلس معطلة، والتعطيل هنا مبني للمجهول، فهل ينبغي على الأعضاء أن يقبعوا داخل أروقتهم البرلمانية، ويعطلوا الفاعلية والفعالية التي هي من أهم خصائص الفاعلين المعنويين؟
قد يحاول البعض إقناع نفسه، بدور قام به في إطار الفاعلية، وهي إتيان فعل له تأثير على الآخر، لكنه لم يخترق به النتائج، وبذلك هو والعدم سيان، إذا لم ينقل فاعليته إلى طور الفعالية، وهي الخطوة التالية لفشل الفاعلية أو عدم إنتاجها للنتائج المرجوة، وهي تعني المبالغة في زيادة التأثير لتحصيل أفضل النتائج، ونجزم أن هذا الأخير لم يحدث من الأعضاء حتى الآن، وأن فكر فيه القلة، فسيغادرونه فورًا، لأنهم أدخلوا في دوائر حسابية معقدة تفقدهم الحركة التفاعلية ضمن دائرة الفعالية، لن يقدر المجتمع هذا الادخال القسري، والاستكانة الطوعية له، خاصة وأنهم شرفوا بالعمل داخل مؤسسة تشاركية أراد لها عاهل البلاد -حفظه الله -أن تمثل المجتمع، وأن تعبر عن مصالحه، وأن تساعد الحكومة بالآراء والأفكار التي من شأنها تخدم البلاد والعباد.
إن أهم الخطوات التي ينبغي على أعضاء مجلس الشورى حمل الشريك الحكومي على الإقدام عليها، هي استشراف نتائج/ تداعيات سياسة الضرائب والرسوم على المجتمع في مستقبله المنظور، ومن ثم إيجاد رؤية حكومية أشمل في التعاطي مع تداعيات خطواتها حتى الآن، وهي خطوات أولية في مسيرة الانتقال من دولة الرعاية إلى دولة الجبايات. ونجزم يقيناً أن هذه الرؤية غير موجودة، أي غائبة، وهذا قصور في الرؤية الإستراتيجية نفسها، أي رؤية الانتقال من دولة الرعاية إلى دولة الجبايات، بل وكبرى سلبياتها، وبالتالي من البديهيات العقلانية أن تحدث اختلالات بنيوية في التوازنات القائمة، لماذا؟ لأن سياسة الضرائب والرسوم المتتالية والجماعية بشموليتها، لا تعمل وفق منظور حماية المكتسبات الاجتماعية التراكمية، وإنما من منظور المساس بها – بوعي واللاوعي – وقد أصبح الآن مشهدنا يحكمه إستراتيجية سلطوية تغيب الشركاء الدستوريين، وتداعياتها المقبلة قد أصبحت معلومة بالضرورة... والملف لا يزال مفتوحًا.