من الأحلام إلى العبث

طالب المقبالي

مراحل الحياة مليئة بالآمال والأحلام التي تبدأ من مرحلة الدراسة، فتكبر رويداً رويداً، وتتنامى مع تقدم مراحل العمر تزامناً مع مراحل التعليم.

من المرحلة الابتدائية ثم الإعدادية ثم الثانوية ثم الجامعة، ولم تكن تلك الأحلام حكراً على الطالب أو الطالبة، وإنّما يتخطى ذلك لتشمل الأبوين، فتبدأ الأحلام الحقيقية مع المرحلة الثانوية التي يحسب فيها الأبوان قبل الأبناء الأيام والساعات ليحققوا أحلامهم وآمالهم بنيل ابنهم أو ابنتهم النسبة التي تمكنهم من الالتحاق بالجامعة التي يضمنون بعدها الالتحاق بركب العمل ليحمل عنهم جزءًا من أعباء الحياة، فيبذل الوالدان الغالي والنفيس من أجل توفير مستلزمات الدراسة، ويتكبدون مصاريف النقل لأولادهم من المنزل إلى الجامعة، كما يوفرون لهم الملابس التي تليق بمستوى الطلبة الجامعيين، فيتباهون بها بين أقرانهم وزملائهم.

نعم ربما أحيانا تكون الدراسة مجانية، لكن المصروفات الأخرى تكاد توازي مصروفات الدراسة نفسها، ولكن كل شيء يهون من أجل نيل شهادة البكالوريوس التي ستفتح أبواب السعادة لأبنائهم، وبالتالي تعم السعادة على أفراد الأسرة جميعاً.

هناك شواهد وقرائن من واقع الحياة من طلبة سبقوا أولادهم قد درسوا والتحقوا بسلك العمل، فتغيّرت أحوالهم وأحوال أسرهم من حالة العسر إلى حالة اليسر.

أمّا الحال اليوم فقد تغير من الأحلام إلى العبث!

ولنقف على موضوع توظيف الباحثين عن عمل بناءً على قرار مجلس الوزراء الموقر بتوفير فرص عمل لخمسة وعشرين ألف باحث عن عمل من القوى العاملة الوطنية كمرحلة أولى في مؤسسات الدولة العامة والخاصة، وذلك بناءً على الاهتمام المتواصل لحضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم حفظه الله في رعاية الشباب العماني وتنمية قدراتهم والاستفادة من توظيف طاقاتهم للإسهام بفاعلية في مسيرة التنمية الشاملة التي تعيشها البلاد في هذا العهد الزاهر.

هناك استياء كبير من الباحثين عن عمل، ومن أولياء أمورهم من الآلية المتبعة في التوظيف بالقطاع الخاص. ويذكر بعض أولياء الأمور أنّ أبناءهم قضوا خمس سنوات في الدراسة في جامعة السلطان قابوس وغيرها من الجامعات والكليات الحكومية والأهلية، فحققوا نتائج مشرفة أثناء الدراسة بين درجة الامتياز ودرجة جيد جداً، وفي نهاية المطاف يطلبون للتوظيف في شركة لتربية الدواجن والأبقار بوظائف لا تمت بأي صلة لما درسوه خلال خمس سنوات مضت، وفوق ذلك تبعد مقار هذه الأعمال عن مكان سكناهم مئات الكيلومترات لمرتب حددته القوى العاملة بحوالي 600 ريال، إضافة إلى اختلاف التخصص بين الدراسة التي قضاها على مقاعد الجامعة، وبين الوظيفة المعروضة.

فعلى سبيل المثال هناك مجموعة من الباحثات عن عمل من مخرجات كلية الآداب بجامعة السلطان قابوس "تخصص علم اجتماع" عرضت عليهن وظائف لا تتناسب مع مؤهلاتهن العلمية.

كوظائف الهندسة بشتى أنواعها ورجل إطفاء! وتسويق ومحاسبة ومدير عمليات، وقد سحبت القائمة ولا جديد يذكر، كما أنّ هناك مجموعة من خريجات هذا القسم لم يتم اختيارهن من ضمن الدفعة الأولى.

فلا ألوم الطلبة ولا ألوم أولياء الأمور على امتعاضهم وأسفهم على الوضع الذي يحدث.

وما أخشاه مستقبلا أن يكون هناك عزوف من بعض أولياء الأمور من تدريس بناتهم في الجامعات لما آل إليه الحال وبالتالي نعود إلى المربع الأول.

muqbali@gmail.com