الفاعل الاجتماعي والنوايا الأيديولوجية (2)

 

الأزمة اليمنية

د. ريا الخروصية

أكاديمية عمانية

 

تناولنا في مقال "الفاعل الاجتماعي والنوايا الأيديولوجية" المنشور بتاريخ 22 أكتوبر 2017 مفهوم (الفاعل الاجتماعي) والذي أشار إلى الأشخاص والمجموعات المرتبطة بالخطاب ومفهوم (النوايا الأيديولوجية) والذي يعني الأهداف التي يسعى الخطاب إلى إيصالها للمتلقي. تمّ التمهيد للمصطلحين من خلال استعراض نماذج من خطابات قناتي الجزيرة والعربية المرتبطة بالأزمة الخليجية باعتبارهما عملاقي الإعلام الإخباري لقطبي النزاع بالأزمة الخليجية.

يهدف هذا المقال إلى التوسع في طرح المفهومين وذلك باستخدام خطابات مرتبطة بالأزمة اليمنية لذات العملاقين الإخباريين. إنّ الإشارة إلى الخطابات الإعلامية المرتبطة بالأوضاع في اليمن أهمية كبيرة في الكشف عن استخدام الأيديولوجيا كوسيلة لفرض السيطرة والهيمنة على متلقي النشرات الإخبارية وكذلك في تحديد التوجهات السياسية لقطبي النزاع في اليمن والتي بمجملها تؤثر على الاستقرار في المنطقة.

أولا: إن الفاعل الاجتماعي الرئيسي بالأزمة اليمنية هما الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، إلا أنّ القناتين تشيران لهذا الفاعل بأسلوبين لغويين مختلفين. تشير قناة العربية الى الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بلفظ "التحالف"، تحالفا يحمل هدفا واحدا ورؤية مشتركة من وجهة نظر قناة العربية والذي هو "أمن واستقرار كيان الدولة اليمنية"، في المقابل فقد اختارت قناة الجزيرة الإشارة للتحالف بالأسماء الصحيحة للدول المتحالفة ضد دولة قطر حيث يغيب الاتحاد وبالتالي تضعف سلطة وهيمنة الدول المتحالفة باعتبارهما الفاعل الاجتماعي الرئيسي بملف الأزمة اليمنية.

ثانيا: تختلف النوايا الأيديولوجية للقناتين في الإشارة إلى الفاعل الاجتماعي اليمني فبينما تصور قناة الجزيرة الشعب اليمني بضحايا التحالف، تشير قناة العربية الى الجيش اليمني بالبواسل في تحقيق أهداف التحالف. في تصويرها للشعب اليمني بضحايا التحالف تستخدم قناة الجزيرة التمثيل العددي كأسلوب لغوي لإيصال نواياها الأيديولوجية للمشاهد كاستخدامها "(عشرات) الأسر النازحة" و "حرمان نحو (مليون ونصف المليون) طفل من الالتحاق بالمدرسة". ومن التكتيكات اللغوية الإضافية التي تستخدمها القناة هي وصف قسوة الحياة اليومية للشعب اليمني كالإشارة إليهم "بالنازحين" ووصف حالهم "بالعيش في الكهوف" ومعاناتهم من "شتاء يمني قاسي" و"أمراض بسبب الصقيع".

تستخدم قناة العربية إسناد الدور الفعال كأسلوب لغوي من أجل تصوير الجيش اليمني بالبواسل. وكمثال على ذلك تقوم القناة بتسليط الضوء على إنجازات حققها الجيش في اليمن كتقدمه جنوب الحديدة واقتحامه مدينة حيس، كذلك فإنّ القناة تصور تعاونا قائما بين الجيش اليمني وقوات التحالف كالإعلان عن تدمير ألغام بحرية في المياه الدولية بمحافظة حجة شمال غرب اليمن من قبل التشكيل البحري في الجيش اليمني وذلك "بالتعاون مع الفرق الهندسية لقوات التحالف العربي"، وإعلان التحالف عن "انتصارات متتالية يحققها الجيش الوطني في الجوف على عدة جبهات".

ما علاقة الفاعل الاجتماعي الرئيسي بالشعب اليمني؟ تشير العربية إلى إعلان التحالف عن "خطة العمليات الإنسانية في اليمن" وبالتالي تصور التحالف بالفاعل الاجتماعي المنقذ لضحايا الأزمة اليمنية، في المقابل فإن الجزيرة تضع التحالف في سياق سلبي كتصويرها له بالحاضن لأتباع الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح محملة التحالف مسؤولية سوء أوضاع الشعب اليمني.

ثالثا: تختلف القناتان في تحديد الفاعل الاجتماعي المسؤول عن زعزعة الاستقرار باليمن. تصور قناة الجزيرة أتباع الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح بأنّهم مسؤولون عن تردي الأوضاع باليمن، فمثلا تصف القناة طارق - نجل شقيق صالح- بالمجرم في حق الشعب اليمني مع وصفها رفض "المقاومة الجنوبية" بقاءه في عدن. ومن المثير للاهتمام أن تربط الجزيرة استفادة طارق كفاعل اجتماعي من الإمارات كونها الفاعل الاجتماعي الرئيسي المسؤول عن تردي الأوضاع باليمن وذلك إبّان "الذكرى السابعة لثورة اليمن"، كأن تستخدم القناة إسناد الدور الفعّال كأسلوب لغوي في الإشارة للإمارات مثل "الإمارات تمكن طارق" و "الإمارات تضغط على هادي لإبقاء صالح" و "الإمارات تعمل على تشكيل ألوية خاصة بقيادة طارق صالح" و "معسكر القوات الإماراتية بعدن يستقبل قادة من الحرس الجمهوري التابع لصالح"، في إشارة من الجزيرة إلى مسؤولية الفاعل الاجتماعي في تصعيد الأحداث باليمن. في المقابل، تمثل قناة العربية الحوثيين بالفاعل الاجتماعي المسؤول عن زعزعة أمن اليمن؛ وذلك باستخدام أسلوب التشنيع كإشارتها إليهم "بالانقلابيين" تارة و"بالميليشيات الحوثية" تارة أخرى، والتي بمجملها إشارات غير محايدة حاملة في خباياها نوايا أيديولوجية وذلك خدمة لأغراض سياسية.

تمثل الخطابات الإعلامية لقناتي الجزيرة والعربية جوانب معينة في الأيديولوجيات حيث تختلف القناتان في تحديد الفاعل الاجتماعي الرئيسي لأحداث الأزمة اليمنية والفاعل الاجتماعي داخل اليمن متمثلا بالجيش والشعب اليمني والفاعل الاجتماعي المسؤول عن تصعيد الأزمة اليمنية، وتختلف القناتان في التكتيكات اللغوية المستخدمة في صياغة الأخبار المتصلة بالفاعل الاجتماعي. تعزى هذه الاختلافات إلى تباين الأهداف السياسية المتضمنة في سياسات وتوجهات القنوات الإخبارية وبالتالي استخدام الأيديولوجيا كوسيلة لفرض السيطرة والهيمنة على متلقي الخطابات الإعلامية.

Rayakharusi1@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك