هل انقرض "الإرهاب الداعشي"؟

 

د.يحيى أبوزكريا

لا ولن ينسى العرب والمُسلمون تنظيم داعش وأمراءه وتحديدا آخرهم أبوبكر البغدادي، فهذا التنظيم كان سيد الاجتهاد، بل مجتهد المجتهدين في القتل والدمار والسلخ والذبح والسبي والاغتصاب والغرق والنسف والتدمير. وكانت داعش وأميرها أبوبكر البغدادي يستقطبان آلاف الشباب من تونس والجزائر وموريتانيا وليبيا والمغرب ومصر وسوريا وفلسطين والكويت والسعودية والإمارت والأردن واليمن وإفريقيا ومن أبناء الجاليات المُسلمة من كل الدول الغربية عبر آليات إعلامية وتواصلية ماكرة.

الحقيقة العلمية والمُرة والمربكة التي يجب أن نعترف بها هي أن داعش تقوم بتنفيذ نسخة الإسلام بتصور واجتهاد فقهاء مسلمين والنسخة هذه موجودة في الموروث الإسلامي. والخلل الأكبر ليس فيهم بل في هذه النسخة من الإسلام التي يجب أن تلغى من منظومة الأفكار الإسلامية ومثلما كان التنظيم لغزا أمنيا استخباراتياً ساهمت فيه جهات استخباراتية دولية وإقليمية فإنَّ مصير أميره تحول هو الآخر إلى لغز محيّر، فالمخابرات الروسية تؤكد مقتله، والمخابرات الأمريكية العربية تؤكد أن التسجيل الأخير هو له وبالتالي صوته أي أن البغدادي ما زال على قيد الحياة. ويشبه هذا المشهد بعض المشاهد في الأفلام الأمريكية..مات البطل لم يمت البطل وبعد أن تتوه العقول وتنكمش الأعصاب وتبلغ القلوب الحناجر يخرج البطل من تحت الركام ليؤدي مجددًا أكبر الأدوار. وقد خرج سابقاً خطيب أحد مساجد "تلعفر"، غربي الموصل، الملقب بـ"أبوقتيبة"، والمقرب للغاية من البغدادي ليلمح بمقتله، عندما أجهش بالبكاء بعد ذكر اسم الأخير في خطبة صلاة الجمعة.

من يهمنا من كل ذلك هو مُستقبل الفكر الداعشي، فبعد كل الذي جرى: أين أصبحت القابلية للداعشية في راهننا؟؟ هل ما اقترفته داعش منح المناعة والقوة والحصانة للمسلمين في خط طنجة – جاكرتا؟ فالكتب التي اعتمد عليها داعش ككتاب ملة إبراهيم وإدارة التوحش ومعالم في الطريق وفصول في الإمامة والبيعة لأبي المنذر الشنقيطي ومسائل من فقه الجهاد لأبي عبدالله المهاجر ومعالم الطائفة المنصورة في بلاد الرافدين"لـ"ميسرة الغريب" ورفع الالتباس عن ملة من جعله الله إماماً للناس"لجهيمان بن محمد العتيبي وفتاوى ابن تيمية وغيرها من الكتب ما زالت تزخر بها المكتبات الإسلامية والمعاهد والجامعات التي تخرج جيلاً من الدعاة على تلك الأسس العلمية والفقهية والعقدية والكلامية.

وفي خضم التركيز العالمي والعربي والإسلامي على العنف المغلف باسم الإسلام ممثلاً في الفصائل التكفيرية والإرهابية، هناك من يعمل على التستر على دموية الحركة الصهيونية التي تتقاطع مع الفكر الإرهابي الإقصائي في كثير من النقاط، وبينهما من الاشتراك والتلاقي ما لا يحصى عده وتكنُّ الصهيونية كراهية شديدة للمسيحية ومن مظاهر الكراهية الافتراء البشع ضد المسيح، ووفق ما ورد في التلمود فقد أعدم المسيح تنفيذًا لحكم محكمة دينية سليمة بتهمة الوثنية وتحريض اليهود على عبادة الأوثان واسم يسوع يمثل لليهود رمزًا لكل ما هو رديء، والأناجيل مكروهة ولا يسمح الاستشهاد بها، وينظر اليهود للمسيحية باعتبارها ديانة وثنية، وموقف الصهيونية من الإسلام عدائي أيضًا ونعت "محمد"التقليدي عند اليهود هو المجنون ويجب القضاء عليه كما ورد في نصوص التلمود وبروتوكولات حكماء صهيون .. ومن جهة أخرى تضج نصوص التلمود وبروتكولات حكماء صهيون وعلم الكلام اليهودي وفتاوى الحاخامات بالتحريض على القتل والتدمير تماماً كما هو النص الأحمر الإرهابي لدى من نسبوا أنفسهم للإسلام..

فالحاخام مردخاي إلياهو الذي يعدُّ المرجعيةَ الدينية الأولى للتيار الديني القومي في الكيان العبري، يقول: "اذكر عدوك وأبِدْه". وفي سياق آخر قال الحاخام الأكبر للكيان اليهودي إبراهام شابير في رسالة وجَّهها لمؤتمر شبابي صِهْيوني، عقد في بروكلين بالولايات المتحدة: "نريد شبابًا يهوديًّا قويًّا أو شديدًا، نريد شبابًا يهوديًّا يدرك أن رسالته الوحيدة هي تطهير الأرض من المُسلمين، الذين يريدون منازعتنا في أرض الميعاد، يجب أن تثبتوا لهم أنكم قادرون على اجتثاثهم منَ الأرض، يجب أن نتخلَّص منهم كما يتم التخلص من الميكروبات والجراثيم". فماذا عن عقيدة القتل في الثقافة التلمودية والصهيونية؟ ومن يُريد تحويل الأنظار إلى الخطر الأصولي الإسلامي وإعفاء الداعشية الصهيونية من القتل الممنهج ضد الفلسطينيين والعرب قبل وبعد وعد بلفور البريطاني المشؤوم؟؟ وما هو حجم التقاطع بين الثقافة التكفيرية والثقافة الصهيونية؟ وهل التشابه الكبير بين التكفير الأصولي والتكفير التلمودي دلالة على المرجعية الواحدة؟