المعتصم البوسعيدي
عند نزولي للمرة الثانية "لكيرلا" الهندية فتشتُ عن حديث الرياضة من خلال ناسها "اللاهثين عملا" وأرضها الخضراء "بلاد الله" فإذ بي أرى بين مختلف جنباتها إعلانا عملاقا عن نادي "كيرلا بلاسترز" عليه صورة لبعض نجوم الفريق يتوسطهم اللاعب البلغاري المعروف ونجم هجوم مانشستر يونايتد السابق "برباتوف."
لقد كتبتُ قبل عام تقريباً عن كرة القدم الهندية ذات التاريخ القديم، والتي كانت متفوقة على المستوى الآسيوي ثم تراجعت عن ريادتها بشكل مُريع - ربما - للأحداث السياسية التي أوجدت أولويات أهم آنذاك، علاوة على تفوق شعبية الكريكت عن شعبية المستديرة، إلا أن النظرة حول الرياضة وكرة القدم بالذات تغيرت منذ الألفية الجديدة تقريباً، مما جعل الاتحاد الهندي يُعلن في العام ٢٠١٤م عن قبول عطاءات لملكية ثمان من المدنِ التسع المختارة لدوري السوبر الهندي الافتتاحي (ISL) وحينها ظهر الاسم المعروف في الهند لاعب الكريكت السابق "ساشين تندولكار" كمالك أو صاحب الحصة الأكبر في نادي "كيرلا بلاسترز"، ويُعد "ساشين" أشهر رياضي في الهند؛ مارس اللعبة لمدة ٢٤ عاماً (1989 -2013) وله أرقام قياسية هندية وعالمية، ويحمل لقب "إله الكريكت"؛ نظير ما قدمه في مسيرته الرياضية، وتعبيراً - مجازياً - لمحبة الناس له.
الجميع كان شاهداً على نجاح الهند في تنظيم بطولة كأس العالم للناشئين في أكتوبر من العام ٢٠١٧م، ولم يأتِ هذا النجاح صدفةً بكل تأكيد، بل نتيجةً حتميةً لعملٍ مدروس ونتاج نهضةً تنمويةً متسارعة تعيشها الهند شملت تطوير كرة القدم والاستثمار فيها، وهذا يفسر استقطاب الأسماء اللامعة للدوري سواء على مستوى اللاعبين المحترفين أو على مستوى مشاهير السياسة والفن والإعلام، ولعلَّ الهند استفادت من تجربة اليابان بما يتناسب مع مكوناتها وإرثها الحضاري، كما أن الكرة الهندية لديها تعاون مع الكرة الإنجليزية لجلب الشغف الموجود هناك، وقد ذكر "ساشين تندولكار" هذا الأمر في إحدى المقابلات؛ حيث كان ضيف مسرح الأحلام معقل "الشياطين الحمر" لمعايشة أفضل دوريات العالم، والتعرف على عقلية إدارة الكرة بالشكل الصحيح.
أما في الشأن المحلي والعربي فالأمر سيان، فلا يمكن أن نتطور إن لم تكن النظرة نحو الرياضة بشكل مختلف، وبدون قرار حكومي جريء ومشاركة القطاع الخاص للاستثمار سنبقى "محلك سر" فيما نرى - وسنرى - الآخرين يقفزون للصعود بخطط مدروسة، فبعد الهند وتايلند شاهدنا ما فعله المنتخب الأولمبي الفيتنامي مؤخراً في الصين، مع إدراكنا التام باختلاف التجارب والظروف المساعدة لكل تجربة، فالهند عندما قررت كانت تعلم التهافت الذي سيحدث من الخارج والداخل لبلادٍ تخطت حاجز المليار نسمة، الهند بامتداد جغرافيتها حصرت دوريها بعدد محدود من الأندية، الهند وضعت الرجل المناسب في المكان المناسب وكانت كوادرها حاضرة بقوة، الهند راهنت على شعبها الذي تفاعل إيجاباً وأكد حضوره في كل المناسبات، "وشفيق" دليلنا السياحي في "كوتشي" يؤكد تفوق شعبية الكرة الساحرة على الكريكت في هذه المدينة الساحلية الملقبة "بملكة بحر العرب" والتي على أرضها يوجد ملعب "جواهر لعل نهرو الدولي" ثالث أكبر ملاعب الهند وأفضلها هندسة معمارية.
في عهد مضى استخدم "مهاتما غاندي - بجلال قدره – كرة القدم كسلاح لكسر حواجز العنصرية والظروف الاجتماعية"، وفي عهد جديد بالهند نجد "إله الكريكت" وغيره من الشخصيات النافذة واللامعة لا يدخرون جهداً لوضع شعبيتهم وخبرتهم للمساهمةِ في صناعة الرياضة الهندية، فماذا ننتظر لنعلم تأثير الرياضة ووضعها محل تنفيذ كأحد روافد الاقتصاد الوطني مع كل فوائدها الأخرى؟!.