الحاجة الوطنية لطيران داخلي فقط

 

د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج

لا تزال أسعار تذكرة خط مسقط صلالة مسقط، مرتفعة منذ شهر تقريبا، بل نرى هناك ارتفاعا مفاجئا على طيران السلام، فأقل الأسعار وجدناها خلال الساعات القليلة الماضية، وتحديدًا الساعة (25، 9) صباح الأحد، تبلغ (69.600) ريال بينما وجدنا الأقل سعرًا في الطيران العماني يبلغ (64.600) ريال، وهذا يعني أنّ طيران السلام أسعاره الآن أعلى نسبيا من الطيران العماني، ورغم ذلك، فأسعارهما يشكلان الأعلى، ويرتفعان بصورة مثيرة، رغم استياء الرأي العام فأين مجلس الشورى من هذه القضية؟

ولمّا سألنا موظف الحجوزات في طيران السلام عن تفوق الارتفاع السعري عن الطيران العماني، أجاب حرفيا "علينا ضغوطات" وهنا تكمن المفاجأة الكبرى، فهذا الطيران الذي قدم قبل عام على أنّه اقتصادي، وأنه جاء ليقدم سعر تذكرة منخفضة التكلفة، وأقل من سعر تذكرة الطيران العماني، نجد أسعاره الأعلى، ويتنافس على خطنا الداخلي في الوقت الذي يقدم تخفيضات على بعض خطوطه الخارجية، أتذكر في يناير 2017، لما نزل الطيران الجديد على هذا الخط الداخلي، كم تنفس المجتمع الصعداء، فقد كانت أسعاره في البداية، من (11) ريالا فقط (اتجاه واحد)  والسفر من صلالة إلى دبي مرورا بمسقط من (19.6) ريال فقط، ومعها اعتقد المجتمع بأن مشكلته الدائمة مع الطيران العماني الذي كان يحتكر هذا الخط لسنوات عديدة، ستكون من الماضي، وأنّ صبره الطويل على فاتورة التذكرة المرهقة ماليا، قد ولّت، وأنّ تواصله المرن والديناميكي والسهل داخل وحدته الترابية، قد أصبحت ممكنة، وفي متناول كل الشرائح الاجتماعية. لكن هذا لم يحدث حتى الآن، ما يجعلنا القول صراحة أننا لا نزال في المربع الأول، أي قبل إنشاء طيران السلام، بل قد تمّ تحطيم هذا المربع، فبدلا من انخفاض الأسعار، ارتفعت الآن من قبل الشركتين وبصورة تنافسية، تحطيما للمأمول والبواعث والطموحات الوطنية التي رافقت فرحة ولادة الطيران الاقتصادي، الذي نجده كذلك ينفتح على الخارج كمنافس، ويقدم إغراءات سعرية جاذبة، ويروج لشعار السلطنة الرائع "السلام" كسفير لبلادنا فيما وراء البحار، بينما يرفع أسعاره الداخلية بحجية الضغوطات، مما أصبح وضعه مماثلا لوضعية الطيران غير الاقتصادي، ويتفوق عليه سعريا الآن على خطنا الداخلي، هل تغيّر المفهوم الاقتصادي لهذا الطيران؟.

فعليا، هو كذلك، فالطيران الاقتصادي، كمفهوم يعني خفض أسعار التذكرة مقابل خفض نوعيّة الخدمات المقدمة للمسافر، وتكون أسعار أقل من نظيراتها في السوق، ومن هذا المنظور تمّت إقامة أول طيران اقتصادي في بلادنا على أساس الأسعار المنخفضة التكلفة، فإين هي الآن من تلكم الزيادة والمرتفعة عن الطيران العماني؟

أمّا عن تساؤلنا عن موقف مجلس الشورى سالف الذكر، وهل في قوة استياء الرأي العام؟ للأسف، مجلس الشورى قد غرق في مرحلة إقرار الأداة البرلمانية لاستدعاء رئيس الهيئة العامة للطيران المدني والآن يغرق في معمعة الاستجابة من عدمها لهذه الأداة البرلمانية، ويقف حائرا في الخطوة المقبلة، وستزداد الآن حيرته، وإحراجاته كذلك، بعد خطوة طيران السلام سالفة الذكر، لن ننكر أداء بعض الفاعلين في المجلس، وحتى هذا الاستثناء، نعاتب عليه كذلك، في فاعليته، وماهيّة تفاعله مع قضية الرأي العام في إطار صلاحياته الأدائية والمؤسساتية، مما يمكننا القول صراحة، أنّ هناك حالة خذلان مجتمعيّة في هذه القضية، وكل ما فعله الأعضاء الفاعلون، هو تمكّنهم من إقرار أداة الاستدعاء البرلمانية، لكن متى سيستجاب لها؟ وإلى متى سينتظرون الاستجابة؟ أين يكمن الخلل؟ هل في الإجراءات أم في استحقاقات الأدوات البرلمانية أو في تعطيل التأخير؟ ومن يقف وراء التعطيل- إن وجد-؟ ربما تكون الإشكالية تكمن في كل تلكم الاحتمالات، وإذا لم ينجح الاستدعاء، هل سينتظر الأعضاء حتى آخر الشهر الحالي، عندما يستضيف مجلس الشورى، معالي وزير النقل والاتصالات؟ أليس هناك آلية أخرى متاحة أمامهم؟ الحيرة تكمن في هذه المنطقة على وجه الخصوص، فكان عليهم، وضع الرأي العام أمام الحقائق، وهذا لم يحدث حتى الآن، ولن يحدث وفق حساباتهم المعقدة التي لن يعترف بها الرأي العام، مما يحملهم مسؤولية الشفافية في مثل هذه القضايا الوطنية، عوضًا عن الصمت.

والمسؤولية ذاتها، تحملهم الآن، وبصورة عاجلة، إقناع السلطات العليا على السماح بتشكيل شركة طيران داخلية فقط، متخصصة على خطوطنا الداخلية، وبأسعار منخفضة التكلفة، ومنحها كل السبل الممكنة للحفاظ على أسعارها المنخفضة، ويكون هذا شرطا وجوبا لمساءلتها ومحاسبتها في حالة التنصل عنها، فالمصلحة الوطنية، تحتم طيرانا داخليا يعتمد أسطوله على طائرات محددة - هي معروفة بذاتها - حتى ينعكس ذلك على سعر التذكرة، والمصلحة نفسها تحتم منحه مطار صلالة المدني القديم، بالمجان، لدواعي السعر المنخفض، والمصلحة ذاتها، تحتم إدارته من قبل عقلية وطنية، تستغل انخفاض الأسعار النفطية، وتعقد الصفقات النفطية الشرائية، لدواعي التكلفة المنخفضة، والمجتمع يتطلع إلى طيران منخفض التكلفة تكون أسعاره مثل التي بدأت مع ولادة طيران السلام، فهذه الأسعار كانت مرضية، فتغيرها، ما له تفسير سوى انتفاء الأسباب التي من أجلها أنشئ هذا الطيران، فأسعار تذاكر الطيران الحالية تأخذ من ميزانيتنا مبلغا ليس بالزهيد، بل قد يكون سعر التذكرة أحياناً هو أحد أهم العوامل المؤثرة على قرار السفر من عدمه، لكن السفر يكون حتميا للباحث عن عمل، وللمريض، ومرافقيه، أو للخدمات المركزية، فالشعور الوطني بالتواصل معقد، ويكرّس النفسيات الإقليمية، وانزوائها الضيق، خاصة في ظل عدم الانفتاح على ازدواجية طريق نزوى ثمريت، الذي نتمنى أن نسمع خلال استضافة مجلس الشورى لوزير النقل والاتصالات بشائر الازدواجية، وتنفيذها العاجل، وكذلك في ظل تحرير أسعار الوقود التي وصلت خلال الشهر الحالي إلى أعلى مستوى لها، فكيف سيتمكن المواطن صاحب الدخل الضعيف والمحدود من استخدام سيارته برا في ظل هذا الارتفاع؟ فالتنقل الجوي بين مسقط وصلالة، والعكس، مكلف ماليا، لن يتم اختياره إلا للضرورة، وطريق الموت، خيار مؤلم نفسيا، ومتعبا جسديا، ومكلف ماليا كذلك، والأعمار بيد الله عزو جل، فماذا أنتم فاعلون يا أعضاءنا المنتخبون؟