جمال الكندي
كلنا نعلم وبعد سبعة أعوام على سيناريو الربيع العربي، من وراء هذا الربيع، مع تأكيدنا على عفوية من خرجوا للمطالبة بالتغيير في مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن، حيث كانت مطالبهم محقة سواءً في جانبها الاجتماعي أم الحقوقي.
لكن هذا الربيع انقلب شتاءً قارسا، حينما تحول من مرحلته السلمية إلى المرحلة العسكرية، بأوامر صدرت من الخارج غرضها تفتيت الدولة الوطنية واستبدالها بدولة الدم والخراب والفوضى.
لذلك رأينا الدمار في ليبيا وسوريا والعراق واليمن، وكل ذلك كان باسم الحرية وحقوق الإنسان. واليوم نشهد نفس السناريو يتكرر في إيران، فلماذا إيران؟ لأنّها ببساطة قلب المشكلة بالنسبة لأمريكا ومن يدورون في فلكها إن صح التعبير، إيران هي لبّ محور الممانعة والمقاومة، وجسر التواصل مع القوى التي تقاتل العدو الصهيوني.
من أجل ذلك كان لا بد من كسر هذا الجسر بتغيير المزاج السياسي الإيراني من الداخل، بنفس طريقة مسرحيّة الربيع العربي، وذلك بخلط مطالب اقتصادية رفعت في إيران وهي محقة بمطالب أخرى ذات طابع سياسي من مثل: لا غزة ولا لبنان فدائي لك إيران.
هذه الشعارات ليست بجديدة على الشارع الإيراني ففي الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2009 رفعت مثلها، وكانت مدعومة من الغرب لتغيير النظام السياسي الإيراني، ونقله من ضفة إلى ضفةٍ أخرى.
فشلت المؤامرة في ذلك الوقت بسبب وعي الشارع الإيراني ووجود شريحة كبيرة بعد ثورة 1979 تؤمن بقضية فلسطين وتجاهد من أجلها، وهذا ما يزعج أمريكا والكيان الصهيوني.
الاحتجاجات الأخيرة كانت محقة وعفوية، ومشهدها يتكرر في إيران لأنها دولة مؤسسات وهذا شيء طبيعي، والقضية كانت عادلة، وذات بعد اقتصادي وتمس حاجة المواطن الإيراني، ولكنها بالمقابل وجدت وسائل إعلام غربية وعربية استثمرت الحدث لتغيير البنية الداخلية الإيرانية وأيديولوجيتها السياسية، وتشق الشارع الإيراني إلى نصفين موالٍ ومعارض، وبعدها يبدأ التخريب الممنهج الذي رأيناه في دول الربيع العربي وتسبب بمئات الآلاف من الضحايا والدمار في بنيتها التحتية.
فشل المشروع، وفشله كان بسبب وعي الشارع الإيراني لما يراد له من قبل الغرب، واحتراق ورقة المظاهرات باسم الحرية والعدالة الاجتماعية، وإدراك الإيرانيون من وراء هذا المخطط؟ وما هي دوافعه! ولو أمعنّا النظر سوف نرى بعض الدول تعاني من نظامها السياسي، ولا تلقى أي تأييد أو تحرك إعلامي من أمريكا وحلفائها بسبب المصالح السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تربط أمريكا مع هذه الدول، وهذا لا نراه في الجانب الإيراني.
لهذا وجدنا أول المتعاطفين مع المخربين في إيران الرئيس الأمريكي "ترامب" ورئيس وزراء الكيان الصهيوني، وهذا يدعم تحليل أن إيران هي قنطرة العبور التي يراد فصلها، لقطع التواصل بينها وبين من يقاوم إسرائيل.
فشلت أمريكا في استثمار ما حدث في إيران دولياً بفتور الموقف السياسي الذي وجدته من قبل حلفائها في مجلس الأمن، وهذا كان بحد ذاته صفعةً قوية لسياستها تجاه إيران، برفض حلفائها الأوربيين مسايرتها في التصعيد ضدها، فكانت مندوبة أمريكا في مجلس الأمن تغرّد وحدها، من دون الحليف الفرنسي والبريطاني، والذين صرحوا بأنّ ما يحدث في إيران هو شأن داخلي.
هذه كانت خيبة كبيرة لأمريكا والكيان الصهيوني، وما التظاهرات المؤيدة للنظام الإيراني، وتوافق التيارات الإيرانية المختلفة في موضوع عدم المساس بالبنية السياسية الإيرانية إلا دليل تلاحم الشعب مع قيادته السياسية والدينية، في عدم السماح بإعطاء القضية الاقتصادية بعدًا سياسيًّا يستغل للولوج في الشأن الداخلي الإيراني من أجل تغيير النظام الحالي.
لماذا وكيف فشل المشروع الأمريكي في إيران؟! لماذا لأنّ إيران قوة إقليمية في المنطقة، وبعد توقيعها الاتفاق النووي مع المجتمع الدولي أصبحت دولة يخطب ودّها، وقِبلة اقتصادية لدول المنطقة، خصوصًا الأوربيون وهذا الأمر يدركه الأمريكي جيداً، فهو بنى عداءه لإيران من منطلقات إسرائيلية بعكس الأوربيين الذين تدفعهم المصلحة الاقتصادية للتقرب من إيران، لذلك رأينا الفتور الفرنسي والبريطاني في عدم دعم توجهات أمريكا ضد إيران في مجلس الأمن، وهذا كان واضحًا في قضية الاتفاق النووي كذلك.
أمّا الكيفية فهي بسبب وعي الشعب الإيراني، وقراءته الصحيحة لما حصل في دول الربيع العربي، وعدم سماحه بتكرار ذلك في إيران. إنّ الرقم الصعب في معادلة تغيير النظام الإيراني هو الشعب الإيراني، فإدراك هذا الشعب ما يحاك ضده أفشل المؤامرة، وأخمد الفتنة قبل أن تكبر وتدخل مرحلة النزاع المسلح، ويبقى الأمر الاقتصادي شأنًا إيرانيًّا يعالج في الداخل الإيراني ولا يسمح لأي أحد التدخل فيه، وإلباسه ثوبًا سياسيًّا من أجل أوهام تغيير النظام، من بوابة استغلال الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وهذا الأمر يجمع عليه كل الفرقاء السياسيين في إيران.
إنّ إقامة مؤتمر أمن غرب آسيا وحضور شخصيات معروفة وفاعلة في السياسة الدولية دليل على أهمية دور إيران الإيجابي في محاربة الإرهاب، ومسألة نقل إيران من ضفة الاستقرار السياسي إلى دولة الفوضى هو عبث بالأمن القومي لدول الجوار الإيراني قبل أمن إيران القومي، لذلك فشل وسيفشل أي مشروع يريد جعل إيران دولة فاشلة وغير مستقرة سياسيًّا، لأن استقرارها هو استقرار للمنطقة، وهذا الأمر يدركه الأوربيون والجوار الإيراني ويتجاهله الأمريكان وحلفاؤهم بسبب العداء الاستراتيجي لإيران ما بعد الثورة.