ماذا فعلتم يا رجال قابوس؟

حميد السعيدي

الرياضة كسرت كل الحواجز، وبقيت سامية بفكرها ومبادئها، واستطاعت أن تكون في قمة عطائها عندما امتزجتْ بثوب القيم والأخلاق والتسامح والسلام، وحينها كان الإنجاز عظيما؛ حيث كان رجال قابوس على موعد مع النصر، فلم يكونوا رياضيين فقط، وإنما كانوا أصحاب رسالة وطنية أرادوا إيصالها لكل شعوب العالم فعلاً وليس قولاً، وتبعهم كل أبناء عُمان، فامتزجت روح المواطنة ما بين الرغبة في رفع الراية العُمانية على منصة التتويج، وما بين التمسك بالقيم والمبادئ العُمانية، حينها صفَّقت كل الشعوب واحتفلت وأنشدت حبا لعُمان وشعبها وقائدها، وهنا نقول إننا كُنا عظماء بأخلاقنا وقيمنها ومبادئنا وهويتنا التي لم تغيِّرها المصالح، بل جمعتها لأجل خلق الهوية العُمانية التي يعشقها الجميع.

لذا؛ فإن الرسالة الوطنية التي بعثها هؤلاء الأبطال كان مفادها أن الرجل العُماني يسعى لتحقيق الإنجازات بالاعتماد على قدراته وعزيمته ورغبته في الوصول إلى القمة، وأن تحقيق ذلك لن يأتي من خلال الطرق المفروشة بالزهور، وإنما يحتاج إلى أن نشمِّر عن سواعدنا في تحقيق إنجازاتنا، فما تحقق خلال هذه البطولة لم يأتِ من فراغ، وإنما من جهد كبير بذله رجال قابوس من أجل الانتصار؛ لذا فقد جنُوا ثمار ذلك العمل المخلص في الوصول إلى منصة التتويج.

وفي هذه البطولة لم يكن الانتصار وحده هو إنجاز أبناء عُمان، فقد أثبت العُمانيون أنهم أصحاب رسالة إنسانية قائمة على السلام والتسامح، فعندما يزف كل الوطن العربي التهاني لجلالة السلطان قابوس والشعب العُماني ندرك حجم مشاعرهم تجاهنا، وندرك حقاً أننا استطعنا أن نكسب قلوب كل الشعوب، وقد تحققت رؤية جلالته بداية النهضة العمانية في إقامة علاقات صداقة مع كل دول العالم، وقد تحقق ذلك من خلال ما نراه واقعا يتعايشه الجميع، فقد احتفل الجميع بل نظموا مسيرات حافلة تضمنها رفع العلم العُماني في العديد من العواصم الخليجية والعربية، فلم نكن نتصور هذه الفرحة بهذا الانتصار أن تسعد كل الشعوب العربية، فهذه الطفلة التونسية التي تبكي فرحا بهذا الانتصار، وتلك القرية في شمال إفريقيا التي تتابع وتدعو لفوز منتخب عمان، وهناك في العراق حيث يدعو العراقيون من أجل الفوز "يالله" إنها دليل على ما تضمه هذه الشعوب من حُب لعمان، وعندما صعدنا إلى منصة التتويج، تخرج الدوحة عن بكرة أبيها للتعبير عن سعادتها بفوز المنتخب العُماني، ويغني العازي "أسود رجال قابوس"، وفي البحرين حيث تمتزج الحلوى البحرينية مع الحلوى العمانية في إناء واحد، فلا تجد إلا السهر والطرب والشعر الذي يقال في حُب عمان، وهذه الأبيات للشاعر البحريني عبدالله القرمزي "فوزٌ بطعمِ الحلوى":

تيهي فأنتِ أميرةُ الميدانِ...

وتبختري بجلالِكِ السلطاني

السعدُ سعدُكِ والجمالُ جمالُكِ...

والكأسُ يزهو في القلوبِ "عماني"

لا صوتَ يعلو فوقَ صوتِ سعادتي...

بشبابِكِ المتميّزِ الفنّانِ

فوزٌ بطعمِ عمانَ وزّع بالهنا...

حلوى الودادِ وقهوةَ العرفانِ

اليومَ ذكرُكِ في الذرى متألقٌ...

حدَّ الغناءِ بخيرةِ الفتيانِ

رفعوا لكِ شأناً وأنتِ رفيعةٌ...

لمّا رفعتي مكانةَ الإنسانِ

وبقوة الأخلاقِ فزتي جدارةً...

فالحبُّ يسبقُ قوةَ الأبدانِ

فإذا السعادةُ كُوِّرتُ وتسلطنت...

بلغت من العلياءِ كلَّ مكانِ.

وهناك في أبوظبي؛ حيث تبعث رسائل التهاني إلى جلالة السلطان قابوس، حيث امتزجت فرحة الفوز بانتصار الأشقاء في مباراة كرة القدم، وفي الجنوب حيث أصل العرب وتاريخهم وعروبتهم ينشد اليمن أبيات قصائده تمجيدا لعُمان، ويتغنى السودان فرحا لأجل عُمان، وهناك في شرق إفريقيا حيث تزف الأفراح وتخرج الجموع في مسيرات، وفي الكويت بلاد أمير الإنسانية لا تجد الكلمات التي تصف مشاعرهم وحُبهم للعُمانيين، فقد رفعوا الراية العُمانية وخرجوا حتى الفجر في مسيرات للتعبير عن هذا الفوز، فقد شاركوا العمانيين فرحتهم، بل أصبحت الكويت وطنا للعمانيين، وطن الحُب والسلام والتسامح والإنسانية.

لذا؛ لم نكن نستغرب مما يطلبه الكويتيون من منع العمانيين من العودة إلى عُمان، يقولون: "أوقفوهم، امنعوهم من الرحيل، لا تتركوا لهم المجال للعودة إلى ديارهم"، وأي طلب هذا الذي يأتي من أبناء الكويت، ماذا فعل العُمانيون هناك، ولماذا هذا الحب تجاههم؟ أسئلة كثيرة تجول بخواطر الكثيرين، ولكنها الكويت.

ما بين هذه الرسالة السامية التي كانت تمثل الشخصية العمانية والتي رسمها أبناء هذا الوطن على شعوب العالم، وإنجاز التتويج ببطولة كأس الخليج العربي، هناك رسالة تبعثها كتيبة رجال قابوس إلى كل أبناء هذا الوطن، بأن الوصول إلى قمة النصر تحتاج عزيمتنا ومواطنيتنا وإخلاصنا لأجل عُمان، وأننا علينا أن نبذل جهدًا كبيرًا في تحقيق الإنجازات هنا في عُمان؛ حيث القطاعات المختلفة في التعليم والصحة والصناعة والتجارة والزراعة، وأن تحقيق الانتصار لعُمان يجب أن يكون في كافة المجالات، فما حدث في ساحة الملعب لم يكن أمراً سهلاً، وإنما كانت هناك بسالة وقوة ومواجهة وتحدي من أجل الوطن، ونحن اليوم بحاجة أن ننتصر في كافة المجالات، وأن نصنع لعُمان التقدم والتطور، وأن نحقق الإنجازات ونتصدر قائمة الدول المتقدمة، نعم من حقنا ذلك، فنحن نمتلك كل الإمكانيات التي تؤهلنا للوصول إلى تلك الغاية، ولكن نحتاج إلى العزيمة والإصرار، العزيمة ضد كل التحديات والمؤثرات التي قد تخرجنا عن المسار الصحيح للوصول إلى الغاية الوطنية؛ فهؤلاء الشباب بعثوا برسالة واضحة، أن الوطن يمتلك القوة البشرية القادرة على تحقيق النصر، وأن الشباب هم عماد الوطن، وحان الوقت ليفسح لهم المجال من أجل المشاركة في بناء الوطن.

لذا؛ نقول شكرًا لقابوس باني نهضة عُمان، والذي غرس فينا حب عُمان، وبث فينا روح العطاء لأجل عمان، وشكرًا لأمير الإنسانية الشيخ صباح الأحمد، ولدار الكويت دار السلام والتسامح، ولأهلنا بالكويت، ولكل من آمن أن رسالة السلام والتسامح هي ساحة الانتصار، لأبطال عُمان الأوفياء الذي أرادوا أن ترفع الراية العمانية في منصة التتويج، للشعب العُماني الذي ناضل من أجل التمسك بهويته وشخصيته العُمانية، لكل من آمن بأن رسالة السلام والتسامح هي ساحة الانتصار، لأبناء الوطن العربي، لكل الكلمات التي كُتبت لأجل عُمان، للأيادي التي رُفعت تدعو لأجل عُمان.

لنمضي في مسيرة بناء الوطن خلف قيادة جلالة السلطان قابوس، عازمين على صناعة مجد عُمان، مفتخرين بتاريخنا وإنجازات هذا الوطن العظيم، متخذين منها سلاحا لنا من أجل بناء المستقبل، هكذا هي الإنجازات لا تُبنى إلا بسواعد الرجال الأوفياء.

Hm.alsaidi2@gmail.com