القوى المؤثرة المرشحة بالظهور في العالم

مرتضى بن حسن بن علي

التحولات الكبيرة التي يمر بها العالم يستوجب على دول الخليج إعادة النظر في مجمل السياسات التي اتبعتها ومواقفها مع الأحداث العربية والإقليمية والعالمية وحدود الارتباطات والتعهدات والترتيبات التي قامت بها مع أطراف عديدة، إقليمية أو دولية وفِي ذات الوقت إعادة النظر في نوع العلاقات مع القوى الفاعلة العالمية فيه.

وعلى سبيل المثال عليها التساؤل إلى أي مدى وبأي ثمن تظل علاقاتها مركزّة بالدرجة الأولى على قوة واحدة هي الولايات المتحدة؟ كيف ينعكس تأثير علاقتها بطرف واحد مستقبلا على قرارها خصوصا مع نشوء مراكز تأثير ومراكز ضغط وبؤر قريبة أو مجاورة؟ ربما قد تكتشف أن ذلك العالم أو تلك القوى الذي تنتظر منه حلا سوف يلقي على أكتافها حمولات ثقيلة ولا يحِملُ عنها، يزيد من عللها ولا يشُفي منها.

 

الولايات المتحدة كأية دولة عظمى لها مصالح متشابكة متنوّعة، والعالم الآن أوسع من مصالحها. ولو أرادت أن تُدير شيئًا أو تُركزّ عليه لكان محتما عليها أن تهمل أجزاء أخرى منه. لا يستطيع المدير الأمريكي أن يدير الكرة الأرضيّة وأن يتفرد بها وحده إذ أنّ العالم يتحوّل إلى عالم متعدد الأقطاب. هناك شواهد كثيرة تشير إلى أن الولايات المتحدة بَدْت مرتبكة في أماكن متعددة ومقيّدة في مساحة حركتها أمام قوى أخرى تنهض وتتحرك في اتجاهات مختلفة كما تبدو عصبية وغير واثقة من نفسها. وطريقة تعاملها مع الأحداث السورية وكوريا الشمالية والكردية وإيران على سبيل المثال أحد الشواهد على ذلك.

هناك الصين بحجم سكانها الضخم وحجم ناتجها القومي الإجمالي الذي سوف يتجاوز الناتج القومي الأمريكي قريبا. ويضاعف من تأثير الصين وجودها في منظمة بريكس التي تتكون من الدول الأسرع نموا في العالم كما يضاعف من تأثيرها "مجموعة النمور الآسيوية" وهي تتحرك في نطاق جاذبية الكتلة الآسيوية الصينية. ومع كل المشاكل التي تواجهها الصين وهي تحاول الانتقال من الفقر إلى الوفرة، وضمان توازن بين حجم السكان الضخم وتوفير حجم الغذاء الضروري، والتوازن بين توفير فرص عمل لهم وبين محاولتها إحلال الأتمتة في وسائل إنتاجها، فبإمكانياتها ومصاعبها سوف تكون عنصرًا فاعلا ورئيسيًا على المسرح الدولي وربما منافسًا قويًا للولايات المتحدة في محاولتها للبقاء على قمة الشجرة.

وهناك روسيا التي انزلقت من موقع القمة وتحاول استعادة توازنها والعودة إلى دورها السابق كوريثة للاتحاد السوفيتي. هي تملك المياه الوفيرة والأراضي الشاسعة والموارد الاقتصادية والبشرية الضخمة وتحاول أن تبرز كدولة عظمى مؤثرة وخصوصا إذا تمكّنت أن تتوصل إلى ترتيبات صلبة مع ما يسمى برابطة الدول المستقلة والتي كانت في يوم من الأيام داخلة في الاتحاد السوفيتي، وتلاقي صعوبات بالخروج من نطاق جاذبيته، إضافة إلى ذلك فإنّ روسيا تملك ترسانة نووية وصاروخية ضخمة وأصناف من الأسلحة المتقدمة ومقدرة تكنولوجية هائلة ودخلها القومي في نمو مستمر.

وهناك ألمانيا في قلب أوروبا التي ما زالت حائرة في اتجاه حركتها بين أطراف تدعو إلى علاقة خاصة بينها وبين الولايات المتحدة وأطراف أخرى تدعو إلى علاقة خاصة متميزة بينها وبين روسيا. والعلاقة الخاصة والمتميزة مع روسيا قضيّة حساسة جدا للولايات المتحدة، إذا أخذنا في عين الاعتبار وجود عمق لروسيا في المحيط الباسفيكي ووجود شواطئ لألمانيا على المحيط الأطلسي وخصوصا إذا أصبحت لها علاقة خاصة مميزة مع فرنسا. وتمتلك ألمانيا القوة الذاتية والكفاءة الممتازة وقوة بشرية مؤهلة تأهيلاً عاليا. ولذلك فإنّ الاختيار الاستراتيجي الألماني المستقبلي سوف يلعب دورًا بارزًا في المستقبل ولا بد أن يؤخذ بعين الاعتبار.

هناك أيضًا اليابان التي قيل عنها أنّها معجزة بكل المقاييس، مواردها محدودة ولكن مواهبها غير محدودة. حاولت اليابان تجنب السياسة رغم كونها عملاقا صناعيا واقتصاديا وأصبحت قوتها العسكرية مقيّدةً. وخياراتها الاستراتيجية في المستقبل سوف تلعب دورًا حاسمًا وتُلقي بظلالها على العالم وعلى منطقة بحر الصين والمحيط الهادي إذ أنّ كل قوة اقتصادية لا بدّ لها من تعبير سياسي عن نفسها. كانت اليابان دولة متأخرة ومتخلفة تتقاتل القبائل على أراضيها، ضيقة المساحة مهددة بكوارث طبيعية مستمرة. ومنذ أن أتى الإمبراطور المستنير "ميجي" للحكم "١٨٥٢-١٩١٢" تمكن من تحويلها من دولة متخلفة تعتمد على الصيد والزراعة وتعج بالصراعات القبلية إلى دولة متطورة عبّرت عن قوتها الجديدة في كل الميادين منها الحرب اليابانية الروسية "١٩٠٤-١٩٠٥" والتي انتهت لصالح اليابان وكذلك الاستيلاء على أراضي شاسعة من الصين ومنها في إقليم منشوريا، إضافة إلى استيلائها على شبه القارة الكورية.

هناك قوى أخرى مثل الهند التي لها مواقع أقدام قوية في الخليج وإندونيسيا، كما هناك قوى إقليمية مؤثرة في المنطقة ومرشحة أن يزداد تأثيرها وكلها تتحرك بمشاريعها وخططها وطموحاتها وبناء قواها الذاتية مثل إيران وتركيا وإسرائيل. ما هو الموقف الخليجي منها ومن تأثيراتها ومن طموحاتها وكيف نقدر أن نتعامل معها؟ وهل تتمكن كل دولة على حدة أن تقوم بذلك الدور وبأي ثمن؟

إنّ كل الأحداث التي يمر بها العالم وتمر بها المنطقة تحتاج إلى إعادة النظر في كل ما سلكناه وتحتاج إلى التحاليل العلمية البعيدة عن العواطف. وكل ذلك يحتاج إلى مراكز دراسات استراتيجية تسلط الضوء على ما يحصل وقادرة على استشراف المستقبل. لا يبدو أن الخليج مع الأسف يمتلك استراتيجية لمستقبل المنطقة أو لمستقبله ولا توجد مع الأسف في الخليج مراكز بحث ولا خلايا أزمات. أصحاب القرار ليس لديهم مستشارون من حولهم بقدر ما تحيط بهم مجموعة من "الربع". وأمام الأزمات المتلاحقة التي مرت بها المنطقة لم يكن لديها موقف موحد. وعلى سبيل المثال فإن مواقفها من الاضطرابات التي عصفت بالعالم العربي خلال السنوات السبع الماضية كان يشبه موقف الذي يشتري بطاقة اليانصيب. كل دولة اشترت ورقة اليانصيب في دولة من الدول التي تأثرت بـ "الربيع العربي." وصرفت مبالغ هائلة من دون أن تمتلك بوليصة تأمين.

ومع كل الثروات الخيالية التي امتلكتها فهي لم تقدر أن تبني مقومات القوة الحقيقية في هذا العالم، وهي مقومات اقتصادية علمية وكفاءة بشرية وإنتاجية. وتجد نفسها الآن وقد تبددت مواردها ومع افتقاد النفط أهميته فإن مستقبلها أصبح صعبًا يستحق التفكير العميق. وليس المبالغة في القول إنّها تتجه في ظل سياساتها الراهنة لتصبح أضعف نقطة في المنطقة.

appleorangeali@gmail.co