من المسؤول عن غياب جسور المشاة؟

 

د/ عبدالله باحجاج

 قبل يومين فقط، من مجيئه لمُطالبتنا بالكتابة عن الضرورة العاجلة لإقامة جسر على شارع الرباط، وبالتحديد، في الجهة التي أصبحت تعج بحركة الحياة على مدار الساعة، لانتشار المراكز التجارية والفندقية والمقاهي والمطاعم في جهتيها، الشمالية والجنوبية،، وكذلك بسبب وجود مؤسسات عامة، كمجمع المحاكم من الجهة الشمالية للشارع. جاء ليُبشرنا في تغريدة له ليلة أمس – البشارة قد تحمل معنيين، سار ومحزن – بما كان يخشاه فعلاً، فقد وقعت عملية دهس جديدة الليلة الماضية، لضحية جديدة، وعلى نفس الشارع، وفي الجهة التي تتكرر فيها الحوادث المُميتة.

منظر مؤلم جدًا مشاهدة الجثة ملقاة في منتصف الشارع،أمام تجمهر المارة، ووقوف حركة المرور.. لم يتمكن شاهد عياننا من الاستمرار في وصف هذا المشهد الحزين الذي وقف عليه في الساعة العاشرة ليلاً، وهذه فترة زمنية، تقطع فيها الأسر والعاملون في تلكم المراكز والمحلات، الشارع للعودة إلى منازلهم، وكذلك الحال صباحًا، حيث نشهد حركة عبور الشارع من كلا الجنسين، وأوضحت لنا عاملة أجنبية في أحد المحلات التجارية، أنها تكون في حالة رعب، كلما تعبر هذا الشارع السريع، صباحاً أثناء ذهابها للعمل، وليلا، أثناء عودتها، لكنها ترى أنها مضطرة لذلك، لعامل الرزق، فكيف بحالة رعبها الآن بعد هذا الحادث المؤلم، ومشهد الجثة الملقاة على الأرض، علينا أن نتخيل الآن الحالة النفسية للعاملين في هذه المحلات والذين يقدرون بالآلاف، وخاصة العنصر النسائي اللاتي لا تتوافر لديهن اللياقة البدنية ولا الجسمانية لعبور الطريق من الجهتين بست حارات، والسرعة فيه (100كم) وهناك الكثير ممن يتجاوزن هذه السرعة؟.

إذن، في أي سياق نضع هذه القضية؟ إنه السياق نفسه، القديم / الجديد، وهو الحق الآدمي في العبور الآمن للشوارع، وهو غير متوفر على شارع الرباط حتى الآن، فمن المسؤول؟ الأهالي قد طالبوا عبر وسائل الإعلام الحكومية والرسمية، بضرورة إقامة جسرين للمشاة على هذا الشارع الذي يصنف كذلك بشارع الموت من جراء الحوادث المميتة التي تقع فيه، فكم من حادث مؤلم ومفجع قد وقع على هذا الشارع وفي هذا الجزء منه بالذات، لكن لا حياة لمن تنادي، رغم تسليم الكل بأهمية إقامة الجسور، وبدورها في وقف سقوط الأبرياء، الاستجابة فقط، قد جاءت من جهة المديرية العامة للقوى العاملة في محافظة ظفار، وذلك عندما عمل مديرها الجديد خالد بن حمد الرواحي على فتح شارع من خلف المديرية لجهة مطار صلالة الجديد، وحل بذلك المشكلة جزئياً، وبخطوته، يتأكد لنا أن مفاصل مهمة من القضايا المثيرة للجدل، تكمن في الفكر وليس في المال، وبسقوط الضحية الجديدة، نتساءل عن صمت الجهات الحكومية المسؤولة عن هذا الملف؟ وكيف تفسر سقوط الضحية الجديدة؟ وهل ستعلن عنه؟ وإلى متى ستترك نزيف الدماء يستمر على هذا الشارع؟ سابقاً، كانت حجتها غير المعلنة، أن هذا الشارع سيشهد توسعة وإقامة حارة ثالثة جديدة، لكن هذا المشروع قد تأخر طويلاً، ومع تأخره، كانت تسقط الضحايا بين الفينة والأخرى، وبصورة مفجعة، فقد شاهدنا في حادثة سابقة، أجزاء من جسم الضحية تتناثر على طول الشارع السريع، لن تمحى هذه الحادثة من ذاكرتنا أبدا، وقد كتبنا عنها، بل كتبنا عن جسور المشاة عدة مقالات، لكن الحارة الثالثة، كانت الحجة الجاهزة دائمًا، دون التفكير في البدائل مثلما فعل الرواحي من الجهة التي كانت حاضنة للحوادث المؤلمة أيضا، وكان خيار النفق الممكن المتاح لحفظ الأرواح على هذا الشارع – والأعمار بيد الله – لكنه لم يتم الانفتاح عليه، وترك الأمر معلقا بحجية التوسعة والحارة الثالثة.

لكن، ما هي حجية هذه الجهات الآن بعد إقامة الحارة الثالثة؟ وتساؤلات أخرى مهمة، مثل، هل لديها الآن خارطة بمشاريع الجسور الضرورية والعاجلة في محافظة ظفار؟ وهل موازنة هذه الجسور مدرجة ضمن حصتها المالية في موازنة الدولة لعام 2018؟ وهل قضية الجسور تثار كذلك في بعض محافظات البلاد؟ بالنسبة للتساؤل الأول، فإنَّ سقوط الضحية الجديدة ليلة أمس، يضعها في حرج كبير، ومن ثم، فإن أية تأخيرات أخرى، قد ينجم عنها سقوط ضحايا جديدة، ربما ينتقل الحرج الى ما هو أكبر من ذلك، إذا كان التقصير بشرياً، وبصورة عامة، يفترض أن يكون لدينا الآن خارطة جاهزة لاحتياجاتنا من جسور المشاة، وفق أولوياتها، وهي أولوية يحكمها معيار التطور الاقتصادي والسياحي، وحجم الإقبال البشري عليه، كما هي حتمية الآن على شارع الرباط الذي أصبح مكتظا بحركة تجارية وسياحية على جهتيه، وتزداد ذروتها في كل فصل خريف، ومع ذلك، لا نرى في الأفق ما يبشرنا بالجسر على الأقل، وكان يفترض أن يكون إقامة الجسور ضمن مشاريع الشوارع، في موازنة واحدة ومتكاملة، إذا كان هاجس العبور الآدامي الآمن يشكل أولوية تخطيطية عند الجهات المختصة، وإذا أردنا أن نضع حدا للحوادث المؤلمة على شوارعنا، فكل شارع جديد أو توسعة أو حارة ثانية وثالثة، ينبغي أن يطرح التساؤل حول حتمية الجسور عليها، وتكون لها أولوية الشارع أو التطور نفسه، وهذه الأولوية تبدو لنا غائبة، بدليل شارع الرباط، بل نرى أن هناك تخبطاً في الأولويات، فمثلاً، هل جسر المشاة في مطار صلالة الجديد، له الأولوية على بقية الجسور الحتمية كشارع الرباط مثلاً؟ فقد تحول هذا الجسر إلى ممشى للقطط، ومسكنا لها، بسبب عدم استخدامه.

الأهم الآن، التحرك فورا، لإقامة جسر بصورة عاجلة قبالة المنطقة المكتظة بالمراكز والمحلات التجارية والسياحية على شارع الرباط التي تقع بالقرب من مجمع المحاكم التجارية، حفاظا على أرواح الناس، وتوفيرا لحقهم في العبور الآمن، بدلا من حالة الرعب التي يعيشونها حالياً، فمن المؤكد أن غياب مثل هذه الجسور يعكس سوء التخطيط، ونتمنى ألا يكون كذلك في بقية المحافظات، ونتمنى ألا يستمر ذلك طويلا حتى لا تسقط ضحية أخرى – لا قدر الله – سواء كان هذا الجسر مدرجاً في الموازنة أم لا، فالحتمية تحتمه دون نقاش، وفورا، وسواء من موازنة الدولة أم من موازنات المراكز والمحلات التجارية العاملة هناك، فعلى المجلس البلدي في محافظة ظفار، أن يحرك هذا الملف، بدلا من موقفه المتفرج، والله يحفظ الجميع.