أكد أن المشهد الثقافي العماني يزخر بالكثير من المبدعين

البازعي لـ"الرؤية": الفوز بجائزة السلطان قابوس "علامة فارقة" بمسيرتي الثقافية

...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...

    الرواية أكثر انتشاراً وسيطرة لأنّ الجمهور يبحث عن المتعة السهلة السريعة

    لا يمكن لأي ثقافة أن تنمو بدون ترجمة فهي الجسر الحيوي للتطور الحضاري والثقافي

    هناك حلقة مفقودة بين المثقفين وصناع القرار في الخليج ومنهم المحبط والمهمش

حوار- مدرين المكتومية

بعد حصول الدكتور الناقد سعد بن عبد الرحمن البازعي من المملكة العربية السعودية على جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب عن فرع الآداب التقته الرؤية في حوار أكد فيه أنّ فوزه بجائزة السلطان قابوس يمثل بالنسبة علامة مهمة في حياته الثقافية، مشيرا إلى قربه من المشهد الثقافي العماني الذي يحتوي الكثير من المبدعين من مختلف الأجيال، وأكد أنّ الرواية العربية تشهد رواجاً كبيراً في السنوات الأخيرة، نظراً لإقبال القارئ على هذا النوع الأدبي الذي يوفر بعض المتعة، مشيرا إلى وجود تواصل تكاملي بين مختلف أجيال المبدعين والمثقفين العرب والخليجيين، وأكّد أهميّة حركة الترجمة عموماً وتأثيرها الكبير على التطور الحضاري والثقافي للأمم، ثم تطرق إلى مؤلفاته والعديد من المواضيع ذات الصلة مثل واقع النقد العربي والمشهد الثقافي الخليجي..

والى الحوار

** كيف استقبلت نبأ فوزك بجائزة السلطان قابوس؟

    فوزي بجائزة السلطان قابوس يمثل بالنسبة لي علامة مهمة في حياتي الثقافية، أنا أراها تكريما مفاجئا وتشريفا حقيقيا أشعر معه بأن ما قدمته على مدى السنوات الماضية يحظى الآن بتقدير من موقع رفيع، خاصة وأنّ الجائزة تحمل اسم جلالة السلطان قابوس المعظم - حفظه الله ورعاه- كما أنّها جائزة من عمان التي طالما كانت وستظل رافداً من أهم روافد الإبداع والعطاء الثقافي، فلا شك أنّ هذه الجائزة بالنسبة لي تعني الكثير مثل ما تعني في تصوري للمشهد الثقافي السعودي، ففي ظني أنني أول سعودي يحصل على الجائزة، وبذلك أعتبره تكريما للمشهد الثقافي السعودي أيضا لأنني جزء منه وكون الجائزة من الخليج بالذات أيضا يحمل معنى خاصا فهي جائزة عربية أولا دون شك ولكنها أيضا عربية خليجية وهذا يمنحها قيمة خاصة.

** كيف تصف لنا المشهد الثقافي العماني؟

     فيما يتعلق بالمشهد العماني الثقافي لديّ صلة وثيقة به نتيجة لقراءتي أولا لعدد من المبدعين العمانيين، ونتيجة ثانية لزياراتي السابقة وتعرفي على عدد لا بأس به من الكتاب والكاتبات العمانيين الذين تعرفت إليهم في زياراتي ومنهم سيف الرحبي وعلي المعمري ومجموعة من الكتاب الروائيين والشعراء والنقاد أمثال معالي الدكتور عبدالله الحراصي الذي كان في بدايته ناقداً وهو آلأن في مكان قيادي في المشهد الإعلامي العماني، وأنا لست غريباً على هذا المشهد، فقد كانت زيارتي الأخيرة بدعوة من جماعة الخليل بن أحمد في جامعة السلطان تحدثت خلالها إلى الطلاب والطالبات في الجامعة وكانت فرصة للتعرف على المبدعين الشباب، وزرت معرض الكتاب، وسأكرر الزيارة للمعرض في فبراير بدعوة من جائزة السلطان قابوس لالقاء محاضرة حول النقد، هذا بالنسبة للمشهد الثقافي العماني الذي يعد في طليعة المشاهد الثقافية العربية بدون شك، وهناك أسماء معروفة عربياً وهي حاضرة بطبيعة الحال خليجياً ولذلك أنا لا أرى فروقا كبيرة بين الثقافة والإنتاج الثقافي في عمان أو في أي دولة عربية وخليجية أخرى.

** وماذا عن علاقتك بالواقع الثقافي الخليجي عموماً؟

     أول كتاب صدر لي كان عنوانه "ثقافة الصحراء" وكان العنوان الثانوي دراسات في أدب الجزيرة العربية المعاصر، وقد تعمدت أن يكون العنوان شاملا للجزيرة العربية، بحيث لا يكون كتابا إقليميا ضيقا، ويحظى باهتمام خليجي، والخليج دائماً حاضر بالنسبة لي وبالنسبة لزملائي المعنيين بالأدب والحركة الأدبية، صلتنا قوية بالكويت والإمارات وقطر والبحرين وبطبيعة الحال بعمان وكذلك باليمن، وأنا أتمنى أن يكون هناك تعاون أكثر فاعلية وعمقاً لأنه من المحزن أن مجلس التعاون الخليجي لم يتحول إلى مجلس تعاون خليجي ثقافي، هذا المجلس لم يمد اهتماماته إلى الجانب الثقافي كما ينبغي، أن يعملوا مسابقات للشباب صغيرة لكننا لا نلتقي تحت سقف هذا المجلس، هناك صلات جانبية بين السعودية وعمان، والسعودية والإمارات، والإمارات والكويت، نحن نريد حدثا ثقافيا خليجيا يجمعنا كمثال "ندوة النقد في الخليج، ندوة الرواية في الخليج أو مهرجان الشعر الخليجي وهكذا ". وهذه في الحقيقة مهمة يجب أن يقوم بها مجلس التعاون الخليجي الذي ينبغي أن ينشط على المستوى الثقافي.

** كيف تصف لنا علاقة الأجيال بعضها ببعض؟

- بطبيعة الأمر هناك اتصال تكاملي بين الأجيال، وهناك استمرارية لا شك، لو نظرنا إلى أي دولة أو أي منطقة ثقافية سنجد أنّ هناك مسيرة تربط الجيل الأكبر سناً بالأصغر، بالأوسط وهناك جيل مخضرم دائماً بين الأجيال، بحيث إنه من الصعب وضع حواجز وحدود فاصلة، بمعنى أنا الآن مثلا صلتي قوية بجيل الشباب وكذلك بجيل أساتذتي أو الجيل الأكبر سناً، ثم سأنتقل إلى مرحلة تكون صلتي فيها أضعف بجيل الشباب.

أضاف: جيل الشباب في الحقيقة من خلال مشاهداتي يضم الكثير من المبدعين في المنطقة بشكل عام، وأفرح بلقائهم، وأنا شخصياً أحرص على أي فرصة تتاح لي كي التقي بشبان وشابات في الجامعات أو المنتديات الأدبية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ألقيت عددا من المحاضرات في الجامعات السعودية حول الترجمة، وأنا متفائل كثيراً بالجيل الحالي.

** كيف تقيّم تجربة الأندية الأدبية؟

- من الصعب التعميم، بعضها نجح وبعضها الآخر كان نجاحه متوسطا وبعضها الآخر لم يحقق الكثير، لكن هي المنتديات على أنواعها، هناك منتديات أو دواوين شخصيّة وهناك دواوين ذات طابع شبه رسمي، منها على سبيل المثال "الملتقى الثقافي" الذي يقام في جمعية الثقافة والفنون، الحضور منهم شباب في العشرينيات، وكهول وسيدات ورجال يحضروا في مكان واحد ونتحاور ونتناقش ونلقي محاضرات ونستمع إليهم ويستمعون إلى من هم أكبر منهم سناً، لكن هذه المنتديات تقوم بدور فاعل في اعتقادي، وبعضها ينشأ بطريقة مختلفة عن المؤسسات الثقافية بمعنى أنها مبادرات شبابية كأن تكون أندية قراءة؛ وهذه في اعتقادي تؤدي دورا مختلفا، التقيت بعدد كبير من أولئك الذين يكرسون وقتهم للقراءة لمناقشة كتب معينة وأفاجأ بمستوى الجدية والعمق الذي كنت استفيد منه أنا شخصياً، لأن الملاحظات أحيانا تأتي في غاية الدقة مما يشعرني بأنّ هؤلاء الشباب فعلا يقضون وقتهم في قراءة كتب صعبة، وليس فقط قراءة رواية أو ديوان شعر، ولذلك هذه المنتديات على اختلافها تؤدي أدواراً مهمة.

** كيف ترى وضع الرواية في هذه الآونة؟

    الرواية بشكل عام نوع أدبي من الطبيعي أن يجتذب القراء لأنه في الأساس حكايات، قصص مثيرة وممتعة وجاذبة للاهتمام، لكن في نهاية الأمر ينبغي النظر إلى أن تطور الرواية في المنطقة العربية وبالذات في الخليج تزامن مع مرحلة تحضر لم تكن موجودة قبل ثلاثين أو أربعين عاما، بمعنى آخر أنا أربط الرواية بالمدينة واعتقد أنه ما كانت لنا روايات تذكر في المنطقة التي كانت مدننا فيها صغيرة، المدينة بضخامتها وتركيبها المعقد وتعدد شرائحها الاجتماعية وبتعدد أجناسها الذين يقيمون فيها تتطلب رؤية بانورامية ومتعددة الأصوات، والرواية بشكلها الجاد هي الأنسب للتعبير عن هذه الظاهرة الثقافية الاجتماعية.

هذه إحدى التفسيرات ظهور الرواية وسيطرتها، لكن التفسير الآخر والأسهل هو أن نتحدث عن المتعة، متعة القراءة وسهولتها، قراءة الرواية بشكل عام أسهل من أن تقرأ كتابا في علم النفس أو في علم الاجتماع، ناهيك عن الكتب العلمية البحتة، لذلك كان هناك إقبال في كتابة الرواية من ناحية لأنّ هناك جمهورا ومن ناحية أخرى ظهرت عدة روايات جاذبة للقراءة، بعض القراء يبحث عن المتعة البسيطة والسريعة، البعض يبحث عن رواية مثيرة، والبعض يبحث عن عمق، وعن تناول قضايا أو متعة أدبية رفيعة، وهؤلاء النخبة، الكثرة تريد التسلية والرواية تقدم هذا، شيء لا يقدمها الشعر عادة، الرواية أقدر على التسلية من الأشكال الأدبية الأخرى.

** وماذا عن تقييمك للحركة النقدية في العالم العربي والخليج؟

    في العالم العربي لدينا بدون شك حركة نقدية موازية، واعتقد أننا الآن أمام نموذج وهو جائزة السلطان قابوس لأنّها في النقد الأدبي وكما علمت أنّ المتقدمين كانوا 28 ناقدا عربيا، بعضهم له باع طويل وأيضا يعبرون عن تجربة أبعد زمنياً على الأقل، لذلك لاشك أنّ الخليج يقف على قدم المساوة مع هؤلاء، المسألة العالمية لم تتحقق حتى الآن بالشكل الذي نتطلع إليه ولكننا سائرون، النقد العربي إجمالا الآن أفرز نقادا وإن كان عددهم قليل لكن لديهم قراء على المستوى العربي والعالمي، وبعضهم ترجم إلى لغات أخرى، أذكر مثلا عبد الفتاح كيليطو مغربي مقروء باللغة الإنجليزية والعربية والفرنسية، وكتب عنه وهناك قبله إدوارد سعيد، فهناك من هو حاضر عالميا، والخليج الآن في المقدمة على المستوى العربي، ولذلك لا استغرب خلال السنوات القريبة القادمة أن تكون لدينا أسماء معروفة عالمياً.

**كيف ترى حركة الترجمة؟

    الترجمة بشكل عام هي محاولة لصنع نص على نص ونجاح هذه المحاولة أو هذا الفعل الثقافي يعتمد على قدرات المترجم، سواء لمعرفة لغته الأصلية أو لغته الجديدة أو الثانية، المترجمون الكبار متمكنون، ولا يمكن لأي ثقافة أن تنمو بدون ترجمة، الحضارات كلها تعتمد على الترجمة، الحضارة العربية الإسلامية قامت على الترجمة من السيريالية، اليونانية إلى العربية، ثم أوروبا نهضت على الترجمة من الحضارة العربية ومن غيرها، الترجمة هي الجسر الحيوي للتطور الحضاري والثقافي، فلذلك لابد من الترجمة وهناك ترجمات ضعيفة وهو موجود، كما هو الحال في وجود أدب ضعيف، وهناك ترجمات قوية ورائعة، فنحن عرفنا الأدب الروسي والأمريكي من العلوم المختلفة، النهضة العربية الحديثة التي قامت في القرن التاسع عشر على الترجمة.

** حدثنا عن كتابك، استقبال الآخر؟

    كتاب "استقبال الآخر" هو نقد لحركة النقد العربية المعاصرة الحديثة، في طريقة تناولها لنظريات والمصطلحات الغربية وقد وجدت أنّ عددا من النقاد العرب تناولوا المُعطى النظري الغربي تناولا مبتسراً خاطئاً أحياناً، وبالتالي كان لابد من كشف المشكلات الموجودة في طريقة تلقي النقد الآخر أو ما سميته باستقبال الآخر، الكتاب مبني على هذا الاعتقاد أنّ النظريات والمصطلحات متجذرة في الثقافة التي ولدت فيها، بمعنى إذا كانت النظرية فرنسية فستكون عادة للثقافة الفرنسية، لكن هذا لا يعني أنها لا تصلح، هناك جزء منها يمكن الاستفادة منه وهناك جزء متصل بالثقافة والأدب التي ولد فيها والحياة الاجتماعية، وبالتالي يصعب تقبله، هذه هي الأطروحة الأساسية وبالتالي أي ناقد يريد أن يستفيد من نظرية غربية أو غير غربية أو بانيويه كنظرية لابد له أن يعي أسسها الفلسفية، ماهي أسس هذه النظرية؟ على ماذا بنيت وما الهدف من ولادتها؟

** من وجهة نظرك.. ما هي أهم التحديات التي تواجه المثقف الخليجي؟

    هي تحديات تواجه أي مثقف عربي وعالمي أيضا، لكن في الخليج بالذات نحن نواجه ظروفا اقتصادية واجتماعية وسياسية تختلف في الدرجة وفي النوع أحيانا عمّا يواجه المثقف في مناطق أخرى، بالطبع لابد أن نواجه الأميّة ومستوى الوعي لدى القارئء، لكن المثقف الخليجي مطالب أيضا بأن يكون فاعلا في المجتمع، واعتقد أن من أهم التحديات هي تلك العوائق التي تجعله أقل فاعلية، وبهذا أشير إلى أن المتوقع أو المطلوب هو أن يكون مثقفا في الخليج شريك في العملية التنموية وشريك في العملية التطويرية في البلد، في الفكر الذي يقود الوضع، ولذلك أنا أرى حلقة مفقودة بين المثقف في منطقة الخليج وبين السلطات التي تقود هذه البلاد، كثير من المثقفين ما زالوا بعيدين عن صناع القرار، الأغلب منهم محبط ومهمش والآن المتسيد "التكنوقراط " أي المتعلمين تعليما عاليا لكن كل منهم يجيد مهنة أو وظيفة واحدة فقط ولا يملك رؤية واسعة مثل المثقف الذي يحتاج إلى حماية ودعم، أنا أعرف أنّ هناك صناديق لدعم الأديب والكتاب وحمايته عندما يمرض وعندما يحتاج أو يشيخ وعندما لا تكون لديه وظيفة، لابد من إيجاد وسائل وطرق تدعم المنتج الثقافي.

** ماذا عن خططك ومشاريعك القادمة؟

    أنا أنتظر صدور كتاب "علاقة الكاتب بالسلطة" وهي السلطة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتأثير القوى الاجتماعية الثقافية السياسية على الأدب وعلى الكتابة والفكر، ليس في المنطقة العربية فقط وإنما على مستوى العالم، ولديّ نماذج من الغرب ومن الشرق، ويضم نظرة شاملة إلى حد ما لهذه الإشكالية، كيف تتأثر النصوص بالضغوط التي لا مفر منها أحيانا، ضغوط الرقابة منها، الكتاب يتركز على هذه المشكلة وسيصدر خلال أسبوعين أو ثلاثة، الكتاب قريب من 500 صفحة وهو أكبر كتاب حتى الأن يصدر لي؛ وسيصدر عن المركز الثقافي العربي وأتوقع أن يكون في معرض مسقط الدولي.

-------------------------------------------------------------

الناقد سعد بن عبد الرحمن البازعي

حاصل على الماجستير في الأدب الإنجليزي من جامعة بردو بولاية إنديانا في عام 1978، والدكتوراة في الأدب الإنجليزي والأمريكي من جامعة بردو Purdue 1983 أيضاً وكانت أطروحته حول الاستشراق في الآداب الأوروبية. عمل أستاذاً للأدب الإنجليزي المقارن بجامعة الملك سعود بالرياض منذ 1984 وحتى انتقاله لعضوية مجلس الشورى عام 2009 حيث ما يزال. شغل الدكتور سعد العديد من الوظائف منها: رئاسة تحرير صحيفة "رياض ديلي" الصادرة باللغة الإنجليزية، رئاسة تحرير الطبعة الثانية من الموسوعة العربية العالمية، عضوية المجلس العلمي لجامعة الملك سعود، رئاسة النادي الأدبي بالرياض، عضوية مجلس الصندوق الدولي لدعم الثقافة باليونسكو.

ألقى على مدى الثلاثة عقود الماضية العديد من المحاضرات وشارك في مؤتمرات عديدة في مناطق مختلفة من العالم، منها: اليابان وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والسويد وفرنسا إضافة إلى العديد من الدول العربية.

يعد الدكتور سعد من النقاد والباحثين المعروفين على الصعيد الثقافي السعودي و العربي. وقد رأس الدكتور سعد لجنة التحكيم لجائزة الرواية العربية العالمية (البوكر) لعام 2014.

وله مقالات في عدد من الصحف والمجلات المحلية والعربية، وعدد من الأبحاث باللغة الإنجليزية التي نشرت في مجلات عالمية.

تعليق عبر الفيس بوك