من وعد بلفور إلى وعد ترامب

 

د. يحيى أبوزكريا

التاريخ: الثاني من نوفمبر العام 1917  "الرسالة الوعد": "عزيزي اللورد روتشيلد، يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته: إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية.. المخلص آرثر جيمس بلفور".

هذا المقطع من رسالة بلفور إلى الصهاينة تسبب في أكبر نكبة في فلسطين والعالم العربي، وما يزيدك ألمًا، ألا بلفور ولا إمبراطوريته البريطانية يملكان الحق في توزيع حقوق الآخرين ووعد بلفور هوالدعامة الأولى للكيان الصهيوني الغاصب.. لقد قررت بريطانيا الاستعمارية أن توزع أراضي عربية لها جذور ولها شعوب وسكان أصليون وحضارة عريقة وتراث ضارب في التاريخ وذاكرة تمتد إلى بداية حركة التاريخ.. والسؤال أين كان العلماء والمؤسسات الإسلامية والشارع العربي والإٍسلامي والجامعات الإسلامية والوعي العربي والإسلامي لما سلّم بلفور وحكومته فلسطين العربية لأعتى مافيا في الراهن البشري.. ولأنّ العرب يُضحك عليهم دائما؛ ولأنّ العرب لا يتعلمون من تاريخهم فقد أرسلت بريطانيا رسالة إلى الشريف حسين، بواسطة الكولونيل باست، تؤكّد فيها الحكومة البريطانية أنّها لن تسمح بالاستيطان اليهودي في فلسطين إلا بقدر ما يتفق مع مصلحة السكان العرب.. وحده الشعب الفلسطيني رفض قرارات بريطانيا وأطلق الجمعية الفدائية 1918، وانتفاضة القدس 1920، وثورة يافا 1921، وثورة البراق الإسلامي 1929، وتظاهرات 1933، وحركة الشيخ عز الدين القسام، وثورة فلسطين الكبرى عام 1936 بقيادة اللجنة العربية العليا.

وكانت فرنسا الاستعمارية التي كانت تحتل كل المغرب العربي أول من اعترف بوعد بلفور على لسان وزير الخارجية الفرنسي ستيفان.. كان العالم العربي والإسلامي في لحظة إنجاز وعد بلفور يتخبط في انقسام خطير، في أكثر من قطر عربي وإسلامي، بين دعاة الحداثة والأصالة تارة، ودعاة الاندماج في الاستعمار ودعاة الاستقلال، بين الأصاليين والمعاصرين في المؤسسات العلمية، وحتى بين الدول الإسلامية نفسها، ولم يتأسس إجماع حقيقي لدحض ومواجهة وعد بلفور.. ولا يجب أن ننسى أنّ وعد بلفور عندما صدر كانت فلسطين تحت وصاية العثمانيين الذين لم يحركوا ساكنا لإسقاطه.. وصدر بعد خمسة أشهر من توقيع اتفاقية سايكس بيكو.

كيف كان العالم العربي والإسلامي في لحظة إنجاز وعد بلفور؟ كان يتخبط في إنقسام خطير، في أكثر من قطر عربي وإسلامي، بين دعاة الحداثة والأصالة تارة، ودعاة الاندماج في الاستعمار ودعاة الاستقلال، بين الأصاليين والمعاصرين في المؤسسات العلمية، وحتى بين الدول الإسلامية نفسها، ولم يتأسس إجماع حقيقي لدحض ومواجهة وعد بلفور.

وعندما اتخذ الرئيس الأمريكي قراره بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس واعترافه وإقراره بأنّ القدس هي العاصمة الأبدية لإسرائيل كان ولا يزال وضع العرب مقززا، التشرذم وغياب الإجماع أهم سمة.

فلماذا يكررّ بعض العرب نفس الأخطاء السابقة؟ ‏هل يمكن أن تعود الأرض لأصحابها عبر خيار التفاوض؟ ‏ما الذي سيعطيه الكيان الصهيوني الغاصب للفلسطينيين؟ ‏كيف يراهن البعض على أمريكا وهي مذلة الشعوب العربية والإسلامية؟ ألا يبحث الرئيس ترامب على تعويم نفسه في العالم على ظهر فلسطين؟