"القدسُ عروس عروبتكم"

هلال بن سالم الزيدي

لم يكن غريباً إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعترافه بأنّ القدس عاصمة لإسرائيل ولم يكن مستغرباً من ردة الفعل العربية والإسلامية على مختلف مستوياتها ـ الرسمية واللارسميةـ ولم يكن مستغرباً بأن يكون التعويل على الداخل الفلسطيني في إحداث انتفاضة ثالثة في قطاع غزة والضفة الغربية وخان يونس والمدن الأخرى.. ولم يكن مستغرباً توقيت الإعلان عن هذا التواطؤ في ظل الانقسام الذي تشهده الساحة العربية.. تلك كانت ورقة أخرى وبرهان ساطع يقدمه الرئيس الأمريكي بما يكنّه للعرب والمسلمين من عداوة لا تقبل التحليل فماذا تنتظرون منه؟ ولماذا تركنون إليه؟

"القدس عروس عروبتكم" قالها الشاعر العراقي مظفر النواب وهو متيقن بأن العروس فُضّت بكارتها قبل أن تصل إلى عريسها، لأن الباعة الخونة تاجروا بها وأعطوا الضوء الأخضر الذي لا يحتاجه "أبو إيفانكا" وإنما كان تحصيل حاصل حتى ينجح المخطط المرسوم من سايكس بيكو وحتى اتفاقية "كامب ديفيد" وصولا إلى التحالفات التي جاءت على دبابات "الميركافا الصهيونية".. لأنّ العرب أصبحوا "كغثاء السيل" حتى أسرج الصهاينة عليهم وطفقوا عدواً وخصفاً في كل بقعة شريفة.. فدنّسوها وداسوها على وقع عزف عربي شكّل لهم غطاءً وشرعية من أجل أن يُعاد رسم الخارطة العربية بتوقيع "أميريصهيوني"، فيما يكون الصوت العروبي والقومية العربية بين الشجب والندب والاستنكار، حتى يصبح الأمر عادياً، ويكبر التطبيع.

إن الإثبات الذي أسس عليه "النواب" في قصيدته "القدس عروس عروبتكم " نشأ من واقع مزري تأسس على الإنهزامية في بناء الأنظمة العربية التي لم تكن جديره بحفظ القدس كمسرى للنبي الكريم عليه الصلاة والسلام وأولى القبلتين وثالث الحرمين من دنس اليهود الأنجاس، بل بيعت من قبل قائمة "الشحاذين" في جنح الظلام وعلى أباريق الخنوع والخضوع حتى آن الآوان لأمثال ترامب بأن يعلنها عاصمة إسرائيلية في وقت تتحفظ الكثير من الدول الغربية على هكذا اعتراف، وهذا هو الوضوح الذي لا يمكن أن يُغطّى بغربال، فلماذا الهرولة إلى ترامب أيّها المفتونون "بخاصرة إيفانكا"؟

...المصطلحات والمفاهيم التي قذف بها مظفر النواب كانت تعبيراً عن حنق الشارع العربي من المحيط إلى الخليج علّها تُسكن الغصة التي تمحورت في حلقوم الوطن العربي المتهالك.. وعلى الرغم من الأوصاف السوقية التي سطّرها في القصيدة إلا أنّها جاءت تعبيراً واضحاً عن مرحلة تاريخية ممتدة بامتداد الخونة واتساع عروشهم وكروشهم التي بنيت على تنازلات جمّة ستكون وبالاً وعاراً لا يمكن التملص منه، فالذئبة والكلبة تحرسان نطفتهما والنملة تعتز بثقب الأرض.. أما الأنظمة العربية فقد كانت القدس هي منطلق عروبتها التي أُكلت كما أُكل الثور الأبيض.

هل يعقل بأننا لم نعِي أعداءنا من أصدقاءنا؟ فرب ضارة نافعة، وتلك الخطوة ستكون الاختبار الأخير الذي تقدمه الشعوب العربية لولاة أمورها بعد أحداث الربيع العربي والذي تحول إلى إحكام في السيطرة وخناقاً أكثر دقة في مختلف البلدان العربية، وبالتالي ستتسع الهشاشة الاجتماعية وتختفي الشعارات التي تنادي بالقضية الفلسطينة بعد افتعال الحروب تحت مظلة البحث عن الديموقراطية والتي اسقطت أحلام الشعوب في حضيض الاقتتال والبحث عن الشرعية التي طال انتظارها، فهل ما أقدم عليه ترامب سيعيد ملف القضية الفلسطينية إلى الساحة مجدداً، حتى يعي العرب والمسلمين بأنّها القضية الأسمى والأهم من صراعات داخلية ونزاعات وحصارات تفضي إلى شق الصف العربي الممزق أصلا؟

إن حكم الأوطان من قبل "الأفخاذ الملكية" لا يكون إلا بغياً، فها هو يوم الجوع ويوم السغبة يتمدد في جسد منهك تقتات عليه "الكسبة" لذلك لم يبق عربي واحد إلا وسيتجرع تلك المهانة.. ولم يبق عربي واحد أبي المنشأ والوحدة يرضى بتلك الوصاية.. وما ذلك الانتفاخ إلا هدوء سيودي إلى انفجار لا تستطيع "أمريكا" التحكم فيه حتى وإن أطلقت صافرات الإنذار من مفاعل "ديمونة" أو من غرف "النخاسة".. لأن طير الأبابيل سترمي حجارة من سجيل.. وستشتعل فلسطين كعادتها لأنّها القلب النابض بمعنى العروبة.. فالقدس عروس عروبتكم!.

إنّ الحركات الجهادية في الداخل والخارج والتي صنّفت في قائمة الإرهاب لا يمكن أن تؤكل وتصبح بقايا القصعة التي تتكالب عليها الأكلة، بل ستكون المحرك الذي يثور ويزلزل الكيان المغتصب فهي كالشكوكة في حناجر البغي والطغيان، وها هي الفرصة سانحة كي نرى "القسّام" يمطر سماء تل أبيب ويشفي غليل العربي الذي لا حول له ولا قوة.

همسة:

هل الحكومات العربية والإسلامية تحتاج إلى ضغط شعبي تخرج من خلاله الشعوب إلى الشوارع في تظاهرات سلمية تأكيداً على مواقفها من هذه المهزلة التاريخية؟ وهل تستطيع الشعوب أن تخرج من سباتها وتنتفض بعد أن أُحكمت قوانين التظاهر وصفّدت الحرية بعد الربيع العربي؟ وهل ستكون المقاطعة الاقتصادية والسياحية والثقافية حاضرة وستؤثر على أمريكا؟ وهل هذه الخطوة هي خدعة إعلامية للانتقال من عدم الاعتراف بإسرائيل ككيان مغتصِب إلى عدم الاعتراف بالقدس كعاصمة له فقط؟ ليتم تأطير الشعوب في إطار ممنهج!

كاتبٌ وإعلامي

abuzaidi2007@hotmail.com