"جــــــــود"

...
...
...
...
...
...
...
...
...

رجاء البوعلي – المملكة العربيّة السعودية


*إضاءة: أنثر نصًا يتقفى الأثرَ على أرضنا؛ يحاكي بعض اللوحاتِ الجمالية في فيلم "جود" من إنتاج مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي "إثراء".

1

اللوحة الأولى:
يشبهكِ يا رحلةَ العُمرِ
هذا المساءُ
تضاريسُه مبعثرةٌ على سطحٍ
 ممتدٍ بين شاطئين
يحدُه من القطبين
هِضابٌ وتِلالٌ وصخورٌ
أرضٌ ومعبرٌ للزمانِ
 وعلى جبينِها عنوانُ
هويةٌ
عالقةٌ في النخاعِ
ومشرئبة بالدمِ والوجدانِ

2

اللوحة الثانية:
تدورُ العجلةُ
فيستطيلُ الضوءُ
وتبزع أمُنا .. من خلفِ القضبانِ
تروي قصتَنا للأجيالِ
عبرَ التتابعِ والتزامنِ
وانعكاسِ هيئةِ الطيرِ
على وجهِ النهرِ
كالإنسانِ

جودٌ
 ونحنُ أبناؤها
تناثرنا على جسرِها المفصلي
بقعةٌ صماءٌ
 مثخنةٌ بالذهبِ الأسودِ
لم تكن قط جوفاء
قلائدها محبوسةٌ في القاعِ
و لها طريقان
 ظاهريٌ ملتحمٌ
وباطنٌ مؤمنٌ بالانقسامِ والارتجاعِ

3 
اللوحة الثالثة:
مضى الدهرُ
يا غبارَ العمرِ انفض ما علاك
واستعد رقصةَ الماضي القديمِ
وفتش عن مزاميرِ الحديدِ
دقت الساعة
فطل الفجرُ فينا
و استدار الإنفجارُ
عندها طار الشرارُ
وكسا كلَّ الملامحِ
بالغبارِ
فصارت عابسةً
كحُبيباتٍ من النسيانِ
كهلةً ظلت
وماتت يابسةً
واستدار العمرُ، لا مفر
من قرارِ الارتحالِ
ومرت حقبةٌ يائسةٌ. 
4

اللوحة الرابعة:
قرعُ الطبولِ
لا صوتٌ أمايزه من الضجيجِ
أو السكونِ
العجلةُ
تبرمُ أقدامَها
نحو السفينةِ الهوجاء
قبل سنين غابرة
مرت من هنا
مُسافرة
( جودٌ ) لا تأخذينا، نحوها
لا تجُري الوراءَ
فتصير المقصلةُ عوجاءَ
الأصلُ أنة في جوفنا
وقعُ المرورِ يوجعُ الأشياء

5

اللوحة الخامسة:
يطير الحمامُ على الشواطئِ
والبحرُ؛ قاعٌ يشبه الحُلمَ
في قاعِ السماءِ
زُرقتان مُتقابلتان
مُتعامدتان
متعاندتان
وبينهما
أنتَ
أيها الإنسان
ظلٌ عابرٌ
أو ووردةٌ شاردةٌ
من البستانِ

6 
اللوحة السادسة:
تمهلي
لا تُديري الوجهَ عني
أو تدوري حول ذاتِك
لا تركضي نحو اللاعودة
أمهليني
أن أقبضَ على قدري و أطيرُ
على جناحِ حمامةٍ
أحلقُ فوق الوجودِ
أمهليني
لا تُعري الفراغَ
لا تخلعي كل الستائر
الحارسةِ للآفاقِ
لا تجري هذا اللحاف الأسود
نحوك بشدةٍ
كي لا يتمزق بغتةً
أو ينكسر منيّ
ساق
ترفقي
و اكتفي بالتصويرِ
وانشري قصتي للعالمِ
الإنساني.
7

اللوحة السابعة:
 المقودُ مائلٌ
يا صديقي اعتدل
كي لا تميل الأرضُ
وينكسرُ الزلزالُ
و تغيبُ الشمسُ
ويصرخ فيك الصفيرُ
ويأكلُ منك المطرُ
اعتدل
وتعال لنغني
الحقلُ علق قنديلًا
يُطالعنا
على وجلٍ
لا تركن بروحك
في الزقاقِ الفارهةِ
لا تخلع اللحظةَ
من اللحظةِ
ففيك موعدي
لا تُغيبه في العدمِ

8

اللوحة الثامنة:
تمهل!
ياصغيري
لا تكبر لحظةً واحدةً
في الماءِ
لا تستطيل على سطوحِ
القُرى والمُدنِ
غدا يفيضُ الموجُ
مبتهجًا في حارتنا
و الفوجُ تعرفه؛ طبعه  الضيقِ
والضجرِ
سيهجرك
وتلفظك الأرضَ
وينثرك القدرَ
غدًا
 تتماهى في الأواني الفارغةِ
القفز في الماءِ
خيطك نحو القاعِ
الأخضر
لا تنام في قعرِ المرفأ
الدافئ
قف!
وانصب ساعديك
واقبض على مفتاحِ القريةِ
كي لا تطير البوابة بلا ثمن
نحو اللاعودة!
و أوقفني معك!
واخلطني بصماماتِ أذنيك
وارفعني إلى الخلودِ
كي أسمعَ المؤذنَ
مرةً واحدةً
على امتدادِ الوجودِ
(إييييييه) يا زمن!

9 
اللوحة التاسعة:
أيها الإنسان
حان وقتك للخروجِ..
انفصل عني..
فلقد حانت
سكرةُ الحنينِ..
شهقةُ الرحيلِ ..
دهشةُ الموتِ .. تقتات مني
فأمسك على رمشيك إني:
 ريشةٌ بين السنينِ
 ما برحت
تعزف وتغني

تعليق عبر الفيس بوك