قصَائِدُ مُتوَحِّشَة

إدريس علي - سوريا


(1)
رئتي المعطوبةُ استبدلتُها
برئة طفلِ جاري الذي تفجّر قلبه خوفا،
فما عدتُ أعرفُ كيف أتبوّلِ.
....
أطرافي المبتورة
وهبتُها لامرأةٍ كانتْ تبحثُ عن بقايا جثةِ ابنها البكر،
ابنُها البكرُ الذي كانَ يستعدّ لحفلِ زفافهِ حينَ نثرتهُ أشلاءً سيارةٌ مفخّخةٌ عابرة.
......
كليتي المثقوبةُ
لم تعدْ تُباع بثمنٍ يكفي لإجراءِ عمليةِ الزائدة لابنتي في الصّف الأول.
ولا لشراءِ إصبعٍ بدلَ إصبعها المبتور إثرَ رصاصةٍ طائشة.
......
ماءُ جوفي مُرٌّ منذَ أولِ صرخةٍ أطلقتُها
وأنا أراهم يجرّونَ زوجتي عاريةً أمامي.
"زوجتي تاجُ رأسي"
........
تأقلمتُ سيدتي دونَ مزادً عاطفي
ودونَ أنْ أرى بياضَ وجهِ بلدي،
والحقّ حقدٌ أسود.
.......
بعتُ بيتَ أبي واشتريتُ به ملحاً،
ملحاً كثيراً يكفي لغرقِ نهر
ولمْ تشفَ ندوبُ قلبي قط.

(2)
لقلبي جَيبٌ صغير، خبأتُ فيهِ كلّ ما لقنتهُ لي أمّي وأنا في المهد
كلما داهمني بردٌ ألجأ إليه.
تقولُ أمّي، إنّي استعصيتُ على الخروج
جاء آوانُ ولادتي ولم أخرجْ،
وتقول: إنها كانتْ تهمسُ لي، أن " اخرجْ بني، لا تخفْ"
لستة أيامٍ وأنا عاصٍ،
حتّى أوجعتها،
في تلكَ الأيام الستة، نما لقلبي جيبٌ صغير
وحينَ اكتملَ الجيبُ، خرجتُ
فسمّوني زمناً بـ العاصي
لم يدركوا أنّي ـ إلى الآن ـ أرمّمُ أوجاعهم في جيبِ قلبي

(3)
"مشهدٌ يتكرر"
.....
آخر الليل
أعودُ لداري بلهفةِ جنديّ أنهكه الغياب
في غرفتي كتبٌ مبعثرة
وأوراق صفراء دوّنتُ عليها قبلَ خروجي
قصائدَ مبتورةَ الأطراف
وقلمٌ رصاص متآكل يتكيءُ على منفضةٍ سوداء فوقَ حقيبة جلديّة قديمة
أحتفظُ في الحقيبة بصورةٍ نادرة لأبي وهو حاسر الرأس حليقَ الشَّعر،
وصورٍ لأخوتي الغائبين مع أولادهم السّعداء في بيوتات اللجوء،
وإلى يمينِ الحقيبة لوحةٌ لوجهٍ متهدّم الملامح كانت طالبتي نرمين قد رسمتني قبلَ أن ينهشَ مرضُ ضمور العضلات وجهها الغضّ وعمرها اليافع،
في الغرفة المجاورة طفلايَ نائمانِ متباعدين
أبتسم،
وأرتمي بينهما لأنام
أنا المتعبُ كخيولِ الحرب

تعليق عبر الفيس بوك