الطفولة صفحة بيضاء.. فانقشوا عليها ألوان الحب

عزيزة الطائي

الأطفال حدائق الرّبيع، وأكاليل الياسمين تتقلد جيد الحياة.. هم بلسم الرّوح وربيعها، وهم البسمة الجميلة، والأحلام البريئة، والقلب النّقي الذي لا يشوبه حقد ونفاق.. هم العصافير التي ترفرف حولنا في منتهى الطّهر والصّفاء.. لا يشغل تفكيرهم سوى ألعابهم وأقرانهم وأمنياتهم، ولا يرتجون منّا سوى ابتسامة ولمسة ونظرة وكلمة حب حانية. وليس هناك أجمل من عفوية الأطفال وحيلهم ومشاكستهم وحججهم العفوية. إنّهم يعيشون اللحظة باللحظة، واليوم باليوم، ويقضون السّاعة بالسّاعة؛ لذلك علينا أنْ ننتقي سلوكياتنا ونرقى بأساليبنا عند التّعامل معهم، ولا نخدش كرامتهم بكلمة مؤلمة، أو نظرة قاسية تقودهم إلى ردات فعل عكسية، وأضرار نفسية تلازمهم، فيتحول بعضها إلى سلوك عدواني منبوذ.

إنّ الحديث عن ظاهرة العنف الذي يُمارس ضد الأطفال ليس بجديد، فقد عرفته المجتمعات الإنسانية على امتداد العصور، مما جعل علم النّفس الحديث يوليها اهتمامًا بالغًا في فرع مهم؛ هو علم نفس الطّفولة الذي يبحث في كينونة الطّفل الوجدانية والعقلية والنّفسية حتى يحقق له النّمو الجسدي والعقلي، والتّوازن المعرفي والوجداني.

لقد آثرنا التّطرق لظاهرة العنف التي تمارس على الأطفال نظرًا لتزايد انتشارها بشكل مطرد مع الانفتاح المجتمعي في الآونة الأخيرة، إضافة إلى غياب الرقيب الأسري، وضعف الموجه الإعلامي التوعوي. إننا نركز في حديثنا على الأطفال كونهم الشّريحة الأكبر والأضعف في المجتمع، وكونهم الفئة التي تستقبل كلّ تحولات المجتمع وتعقيداته؛ إضافة إلى عدم اكتمال نموّهم الجسماني والنّفسي مما يجعلهم يستقبلون التّأثيرات السّلبية والإيجابية بكل سهولة، فالأطفال بحاجةٍ إلى الرِّعاية والعِناية بشكلٍ كبيرٍ لإيصالهم إلى بر الأمان، حتى يصبِحوا عند اكتمال نموهم قادرين على التّميز بين الخير والشّر، المناسب وغير المناسب، الصّالح وغير الصّالح؛ مما يؤهلهم إلى التّكيف مع المحيط، والاعتماد على أنفسهم.

لقد اهتم علم نفس الطّفولة بالأمراض الجسدية والنّفسية، والعوارض العقلية والإداركية التي تصيب الأطفال منذ سنيهم الأولى؛ وبالتّالي فقد أولى رعاية كبيرة بالجوانب التي تدعم المهارات الحركية، والنّمو المعرفي، والقدرات اللّغوية، والاستقرار العاطفي، والتّأثيرات الاجتماعية التي تساعدهم على النّمو الإيجابي، والتّفاعل السّوي مع البيئة المحيطة كوالديهم وأقرانهم.

إنّ مصطلح العنف – بشكل عام- يُطلق على أيّ سلوك عدوانيّ غير لائق يقوم به شخص بالاعتداء على الآخرين بطريقة ما، أو استغلال شخص لقوّته الجسديّة، أو منصبه ضد الآخرين عن طريق إجبار الطّرف الآخر على القيام بعمل ما، وتكون نتيجته سلبية على الطّرف المجبَر على الفعل، مما يسبّب له آلاماً نفسيّة وجسدية، أو الاعتداء على الممتلكات الخاصّة بالآخرين كأسلوب للتّأثير عليهم.

أما بالنسبة لظاهرة العنف ضد الأطفال فإنّها تتخذ أنماطًا عديدة يتعرضون لها داخل الأسرة، أو خارجها ولعل أبرزها تأثيرا العنف الأسري. وهو العنف الأكثر انتشارا وإيلامًا بما يتركه من أضرار جسدية، وآلام نفسية تكبر معه وتجعله لا يستطيع مواجهة العالم والتّكيف معه، مثل: الضّرب، والشّتم، والتّهديد، والتّخويفِ، والتَّحقيرِ، والنَّبذِ، والسُّخرية، والإهمال، والتّفرقة، والتّفضيل بين الأطفالِ داخل الأسرةِ، إضافةً إلى الحرمانِ من العطف، أو المُطالبةِ بِمهامٍ يصعبُ على الأطفال القيام بها مما يسبب لهم الآثارُ النَّفسيَّةُ والبدنيَّة والاجتماعيَّة والانفعاليَّة بصورةٍ واضحةٍ فيفقدون ثقتهم بأنفسهم، وشعورهم بالأمان من المُحيطين بهم، الأمر الذي يؤثر على مستقبل الأطفال المعنَّفينَ. وينعكس العنف الذي يتعرض له الأطفال داخل المنزل على سلوكياتهم وتصرّفاتهم خارج المنزل، وخصوصاً في المدرسة أو الشارع، ويقومون بتفريغ هذا العنف من خلال سلوكيّات سيّئة وأفعال غير مرغوبة تنفر منهم الآخرين.

إنّ العنف الأسري له بالغ الأثر السّلبي على حياة الأطفال وإنجازاتهم، وتفاعلهم مع الحياة المستقبلية، ويؤدي إلى زيادة شعور الطّفل بالإحباط، وفقد ثقته بنفسه وبالآخرين، ويعمق ضعفا في الشّخصية، وقد يتسبب العنف في صناعة الشخصيَّة المتمرِّدةِ ممثلة في رفض الطّفل غير المبرر لأي قرار أو رأيٍ دون إبداء الأسباب أو الحلول البديلة، وقد تنعكس هذه الشخصيَّةُ على واقعه الحياتي عند تقدُّمه في العمر. وفي هذا يقول الفيلسوف والشّاعر الألماني فريدريك نوفاليس: "ليس هناك مكان ينام فيه الطّفل بأمان مثل غرفة أبيه". فلنا أنْ نتصور حجم التّأثير والشّعور بالأمان والخلود إلى الاستقرار الذي يحتاجه الأطفال داخل الأسرة. إنّ الشعور بالأمان ناتج عن مشاعر الحب الدّاعمة والدّافئة والحانية التي يغدقها الوالدان على أطفالهما، لأنّ بالحب نستطيع أنْ نؤثر على أطفالنا التّأثير الإيجابي، وبالدّعم نساعدهم على تحقيق التّوازن، وقبول التّوجيه، ونبذ التّمرد اتجاه الضّوابط التّربوية التي نبتغي تأسيسهم عليها.

ولكي نتفادى العنف الأسري الذي يتعرض له الأطفال في مجتمعنا علينا أنْ نضع الحلول، والالتزام بأساليب تربوية تحدّ من ممارسة العنف الأسري ضد الأطفال، والمتمثلة فيما يلي: نشر أضرار ومخاطر العنف الموجّه اتجاه الأطفال وأشكاله وأنواعه. وتوعية الأسرة من خلال وسائل الإعلام والمؤسسات المجتمعيّة؛ كالمؤسسات التعليميّة والإرشادية والتنموية. وتشريع القوانين والأحكام الخاصّة بالأطفال المتعرّضين للعنف بأشكاله وضمان حقوقهم. والمتابعة المستمرة للأطفال الذين تعرضوا للعنف، وتقديم الدّعم النفسي من خلال برامج مؤسسات الإرشاد النفسي، وبرامج المؤسسات التعليميّة. وتنظيم الجلسات التوعويّة، والدورات التّأهيليّة لأولياء الأمور، بالإضافة إلى نشر طرق وأساليب التنشئة الأسريّة السليمة. ومحاربة ظاهرة استغلال الأطفال للعمل دون السّن القانونيّ واستغلالهم من قبل جميع المؤسسات المجتمعيّة والأهالي وأصحاب العمل.

وهذا كلّه لن يتحقق إلّا بالدور التّوعوي والإرشادي الذي يقوم به الإعلام من خلال إعداد برامج هادفة تحد من تفشّي العنف ضد الأطفال في المجتمع.