حميد السعيدي
"على كل مواطن أن يكون حارسا أمينا على مكتسبات الوطن ومنجزاته التي لم تتحقق كما نعلم جميعا إلا بدماء الشهداء، وجهد العاملين الأوفياء، وألا يسمح للأفكار الدخيلة التي تتستر تحت شعارات براقة عديدة، أن تهدد أمن بلده واستقراره، وأن يحذر ويحذر من هذه الأفكار التي تهدف إلى زعزعة كيان الأمة." هذا التوجيه السامي الذي جاء في خطاب جلالته عام 1994م هو قراءة للمستقبل وتوجيه لكل مواطن أن يعي معنى دوره الحقيقي في حماية أمن الوطن والمكتسبات التي تحققت طوال فترة عمر النهضة المباركة، وأنّ هذا الدور هو الواجب الوطني الأساسي الذي لا يمكن التنازل عنه تحت أي ظرف كان.
واليوم ونحن في أيام نوفمبر المجيد إذ يجدد المواطن عهده للوطن والقائد بأن يكون حاميا لهذا الوطن، ومضحيا بحياته من أجل أن يبقى هذا الوطن شامخاً كشموخ رؤوس الجبال، لذا لا غرابة أن يكون العُماني فخوراً بكل المنجزات التي تحققت خلال السبعة والأربعين عاماً، والتي كانت مليئة بالإنجازات الوطنية، والمكتسبات التي لم تأت إلا بالتضحيات الجسام لهذا الوطن، واليوم نسعى جميعا لرفعة عمان وحماية منجزاتها، من أجل أن تبقى عمان اسما متقدما بين الأمم والشعوب، منتهجين من النهج السامي المسار والطريق الذي نسلكه في سبيل خدمة هذا الوطن، ونحن ماضون في خدمة الوطن، ونعمل على أن نقدم الإخلاص والوفاء كرسالة وطنية في كل المؤسسات الحكومية والخاصة التي نعمل بها، من أجل أن نحقق الأهداف والغايات السامية لتحقق التنافسية الاقتصادية على مستوى العالم.
وفي ظل هذا العالم الذي يسوده الكثير من الأحداث التي بدأت تحدث شقا بين الدول والأشقاء، أصبحنا أكثر التزاما ووفاء لعُمان، وعلى كل مواطن أن يكون عند عهده لهذا الوطن ويستقي من التوجيه السامي؛ التزاما ووفاء لعُمان "على أبناء عُمان وبناتها وكذلك الأجيال اللاحقة القدرة على صيانة هذه المنجزات، والحفاظ عليها من كل سوء والذود عنها ضد كل عدو حاقد أو خائن كائد أو متربص حاسد فهي أمانة كبرى في أعناقهم يسألون عنها أمام الله والتاريخ والوطن" قابوس بن سعيد 2011م.
ونحن نحتفل بهذه الأيام التي ستبقى خالدة في الذاكرة العمانية، والتي كانت شاهدة على عمل جاد ومخلص، نشهده من خلال المنجزات والمكتسبات التي أصحبت دليلا على كل ما تمّ من عمل خلال السنوات الماضية، لذا فإننا نرفع تحيّة إجلال عظيمة لجلالة السلطان قابوس بن سعيد، والذي سخر روحه وعمره من أجل بناء هذا الوطن، وعلينا أن نقرأ من ذلك ما يفيدنا في أن نكون أكثر إخلاصا وأن نعمل على الصمود أمام كل المغريات التي تدفعنا للفساد أو الخيانة، "إننا إذ ندعو كل عماني لتوجيه اهتمامه قبل كل شيء للعمل الجاد والمشاركة المسؤولة والمخلصة لبناء الوطن فإننا نؤكد على ضرورة المحافظة على روح التآخي والمحبة التي تسود مجتمعنا العماني بجميع فئاته وتعكس الترابط المتين بين أبناء هذا الوطن في كل أرجائه، والوقوف صفا واحدا ضد كل من تسوّل له نفسه محاولة التأثير على هذا الترابط الذي يشل الدعامة الأساسية لقوة وازدهار بلادنا العزيزة في حاضرها ومستقبلها" قابوس بن سعيد 2009م.
والقارئ في التاريخ العُماني يجد نفسه أمام حضارة عظيمة امتدت لآلاف السنين، تركت إرثاً عميقاً على أرض الوطن تتحدث عن أمجاد دولة وحضارة، ظل صامداً عبر الأحقاب الزمنية، ليقول كلمته لأبناء عُمان أنكم أحفاد رجال صنعوا مجداً عظيماً عبر سواحل المحيطات، وحان اليوم أن تكونوا معول بناء واستمرار لتلك الحضارة، فأنتم تمتلكون القدرات والمواهب التي تجعلكم قادرين على صناعة الحاضر والمستقبل المضيء قدما لأجل عُمان، "فالكرة أصبحت في مضربنا" وهذا يمثل توجيها ساميا نحو الاعتماد على الشباب العُماني في رفعة شأن هذا الوطن، وأن الجهود التي تُبذل تتجه للاستفادة من طاقات الشباب وخبراتهم في العمل على تحقيق المُنجزات في مختلف المجلات، فلا ريب أن يكون التوجيه السامي والعناية من جلالته لهذه الفئة نظراً لأهمية الأدوار المنوطة بهم.
وفي ذات الوقت أيضا فالقارئ للتاريخ العُماني يجد أن هناك مراحل معينة تكررت عبر حقبات زمنية شهدت فيها عُمان العديد من فترات التراجع والتخلف والتعرض للاحتلال الخارجي والصراعات الداخلية، وهي نتيجة لضعف روح المواطنة، وسيادة الفساد، وانتشار الخيانة ضد الوطن، والتعامل مع الغرباء والأعداء،
وحينها ضعفت عمان وتعرضت لأسوأ فترات مراحلها، تقسمت وضاعت أراضٍ واسعة عبر المحيطات نتيجة للخيانة وانتشار الفساد وتغلب المصلحة الخاصة على مصلحة الوطن.
لذا علينا الاستفادة من التاريخ والمضي قدما خلف القيادة الحكيمة لباني هذه النهضة العمانية جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، وأن نعاهد الله والوطن والقائد على أن يكون وفاؤنا وإخلاصنا لعُمان الغالية، وأن نبعد أنفسنا من الدخول في قضايا لا شأن لنا بها، فقد تعلمنا حكمة الأقوياء، وصمت الشرفاء، ووفاء الرجال، ونستقي من الحكمة السلطانية ما يساعدنا على تحقيق تلك الرؤية إلى واقع ملموس؛ يستشعره كل المواطنين الغيورين على هذا الوطن، "إنّ الافتراض بأنّ الخطر الذي يهدد الدول والشعوب يبدو دائما على شكل قوة مسلحة، إنّما هو افتراض خاطئ، فأعداء الحرية يستخدمون كل الوسائل والطرق الممكنة لتحقيق أهدافهم، إنّ هذه القوى التي تعمل في غالب الأحيان في ظل شعارات زائفة عن الحرية والمساواة وحقوق الإنسان قد أعدت نفسها لتقويض وتحطيم أسس المجتمعات المستقرة، وهذه القوى التي تزعم الدفاع عن الحرية، وتزعم الدفاع عن الشعوب الضعيفة والفقيرة، مصممة على إهدار الشرعية الدولية والقيم الإنسانية في كل مكان.. والغاية واضحة ومعروفة وهي دفع الدول والشعوب المستقرة إلى حالة من الفوضى والاضطراب والانحلال الخلقي والمادي" قابوس بن سعيد.
إنّ هذا الخطاب السامي هو نظرة مستقبلية لما نراه اليوم أمام أعيننا من تدخل في الشؤون الداخلية للدول؛ من خلال رفع شعارات الحرية والدفاع عن حقوق الإنسان، وعلينا أن نتمعّن في الواقع الذي نعيشه من خلال تمسّكنا بوحدة هذا الوطن، والذود عنه، والتضحية من أجل رفعة الراية العُمانية؛ والتي ستبقى مرفوعة شامخة على أكتاف أبناء هذا الوطن، لذا علينا أن نعاهد الله والوطن والقائد بأن نكون عند الوعد، وأن نعمل على صون مكتسبات هذا الوطن ومنجزاته والذود عنه بأروحنا، ومن يخون الأمانة فلابد للزمن أن يأخذ حقه.