مجلس عمان بين الواقع والمأمول

 

د . صالح بن هاشل المسكري

تأسس مجلس عمان في 16 ديسمبر 1997م، بعد عام واحد من صدور النظام الأساسي للدولة "دستور البلاد" الذي صدر في 6 نوفبمر عام 1996م، ولم يأتي إنشاء مجلس عمان دفعة واحدة بل سبق له بتمهيدٍ وتحضيرٍ مؤسسي سياسي واجتماعي وثقافي للدولة العمانية وفق منهج التدرج لبنة لبنة الذي انتهجه قائد نهضة عُمان الحديثة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه-، حيث بدأًت فكرة المشاركة السياسية بإنشاء مجلس لغرفة تجارة وصناعة عمان عام 1973م، ثم مجلس للزراعة والأسماك والصناعة عام 1979م الذي ضم 12 عضوا من الحكومة والقطاع الخاص، وكان من بين اختصاصاته دراسة الأنظمة والأحكام والقوانين والقرارات السارية ومشاريع القرارات المستقبلية الخاصة بالنشاط الاقتصادي، والنظر في تظلمات المشتغلين قي تلك القطاعات الثلاثة، ثم أنشأ المجلس الاستشاري للدولة عام 1981م، تبعه مجلس الشورى عام 1991م الذي فتح المجال للمشاركة السياسية والممارسة الديمقراطية للمواطنين بانتخاب ممثلين لهم لعضوية هذا المجلس.

 ومع تقدم الحياة الاجتماعية والاقتصادية والقانونية في البلاد وتطورها وتوفر الحاجة لقيام دولة المؤسسات أُنشأ مجلس عُمان عام 1997م، وتوسعت صلاحياته واختصاصاته التشريعية والرقابية بعد تعديل النظام الأساسي للدولة في19 أكتوبر سنة 2011م، وأصبح بموجب هذا التعديل جميع أعضاء مجلس الشورى منتخبين بما فيهم رئيس المجلس، ولا سُلطان للحكومة على انتخابات الشورى عدا الإشراف والتنظيم الذي تتولاه لجنة عليا تتكون من عدة جهات في الدولة حددها قانون الانتخابات الصادر في العام 2013م، في حين يتم تعيين رئيس وأعضاء مجلس الدولة بمرسوم سلطاني وفق الفقرة الأولى من المادة 58 من النظام الأساسي للدولة، وأرى أنَّه من الأنسب مستقبلاً أن يَنتخبَ أعضاء مجلس الدولة من بينهم رئيساً للمجلس إضافة إلى انتخابهم نائبين للرئيس أسوة بمجلس الشورى.

 وفي المقابل فإنَّ رئيس مجلس الشورى جدير بأن يكون بدرجة وزير لأنه يدير مؤسسة لها وزنها السياسي والاجتماعي وهي أعلى سلطة تشريعية في البلاد، ويرأس مجلساً يوازي مجلس الدولة الذي يرأسه مسؤول بدرجة وزير، بل إن مجلس الشورى يتحمل مسؤوليات أكبر كونه يطّلعُ بمهامٍ وصلاحيات لا يَطّلعُ بها مجلس الدولة، سواءً من حيث إلزام وزراء الخدمات بتقديم تقارير سنوية لمجلس الشورى تُبيّن مراحل التنفيذ للمشاريع الخاصة بوزاراتهم، أو مناقشة البيانات التي يتقدم بها الوزراء للمجلس، أو استجواب وزراء الخدمات وفق إجراءات معينة، أو إبداء المرئيات على مشاريع الاتفاقيات الاقتصادية والاجتماعية التي تعتزم الحكومة إبرامها أو الانضمام إليها، إضافة إلى تعدد الارتباطات والعضويات البرلمانية لمجلس الشورى، بل إنَّ رئيس مجلس الشورى يتقدم من هم بلقب معالي في الترتيب البروتوكولي والمناسبات الرسمية في الدولة، علماً بأن النظام الأساسي لم يتطرق لمرتبة رئيسي المجلسين وأتاح الفرصة لأي تغيير، وهو إن حصل فإنه سيُعزّز مكانة مجلس الشورى خاصة وأن أغلب رؤساء البرلمانات المنتخبة في العالم هم بدرجة وزير، منهم على سبيل الذكر رؤساء مجالس الأمة الكويتي والنواب المصري والمغربي والإنجليزي والأمريكي، أما مجلس النواب الأردني فيتحدد لقب الرئيس حسب اللقب الذي كان يحمله قبل الرئاسة فإذا كان رئيس حكومة سابق يلقب (دولة) ويلقب (معالي) إذا كان وزيراً سابقاً ويلقب (سعادة) إذا كان غير ذلك، صحيح أن اللقب لا يؤثر في مستوى العطاء الوطني للرئيس إلّا أن تأثيرهُ في الحياة العامة وفي التعاملات الدولية كبير.

وحسناً فعل أعضاء المجلسين حين قرروا في المادة 12 من مشروع قانون مجلس عمان أن تكون لرئيس كل مجلس السلطات المخوَّلة للوزير أو رئيس الوحدة الحكومية فيما يتعلق بالشؤون الإدارية والمالية، وفي أغلب مواد القانون التي يُشار فيها إلى الرئيس تتم المساواة بين رئيسي مجلس الدولة والشورى، الأمر الذي يُبيّن أهمية أن يتساوى الرئيسان في المرتبة المالية وفي اللقب الرسمي.

قانون مجلس عمان هو قانون متكامل يُفصِّل المادة 58 من النظام الأساسي المُعدّل ويفسرها ويكملها ولا يتعارض مع فقراتها، وإن كانت هناك من ملاحظات عليه فهي من وجهة نظري أن القانون فيه توسع نوعاً ما حيث تصل مواده لأكثر من 90 مادة قانونية، وأن الأعضاء لم يلزموا أنفسهم في القانون بتقديم بيان سنوي لناخبيهم وشركائهم في الممارسة الديمقراطية، ولم يعالج القانون آلية إدارة الدراسات التي يُعدها المجلس ويُقدّمها للحكومة، أو المُدد الزمنية التي يُفترض أن تستغرقها مشاريع القوانين التي يقترحها مجلس عُمان وتلك التي يُطلب منه إبداء الرأي حولها بعد إحالتها من المجلس إلى مجلس الوزراء، وهي في الحقيقة مشكلة كأداء تتسبب في تعطيل بعض الأعمال والمصالح العامة، وهناك مشاريع قوانين تحال للحكومة وتستغرق وقتاً طويلاً للبت فيها، منها على سبيل المثال ما نشير إليه في هذا المقال وهو قانون مجلس عُمان الذي أحيل للحكومة في العام 2013م ولم تتضح نتيجته حتى الآن، وينظر إليه المجلس بأهمية بالغة.    

 وما نراه من لقبٍ لرئيس مجلس الشورى ينسحب أيضاً على نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء رئيس المحكمة العليا الذي يُدير سُلطة أصيلة مستقلة وهي السلطة القضائية، وذلك لأهمية هذا المنصب الرفيع والتمييز بينه وبين بقية نواب رئيس المحكمة وباقي قضاة المحاكم الذين يحملون لقب سعادة، وأيضاً بالنسبة  للمحافظين "وإن كانوا لا يجدون حتى الآن قانوناً ينظم أعمالهم واختصاصاتهم ويحدد حقوقهم وواجباتهم" وباقي أصحاب السعادة الولاة.

وحيث إنَّ النظام الأساسي للدولة لم يشر إلى الأمانتين العامتين لمجلسي الدولة والشورى في أي فقرة من فقرات المادة 58 التي حددت قانون مجلس عمان لا من الناحية الشكلية أو الإجرائية ولا من الناحية الموضوعية المتعلقة بالصلاحيات والاختصاصات والحقوق والواجبات، وتركت هذه المادة الباب موارباً لإحداث أي تغيير، ومن خطوات التغيير التي أرى أهميتها في المستقبل هو دمج الأمانتين العامتين للدولة والشورى في أمانة واحدة تحت اسم "الأمانة العامة لمجلس عمان" تتولى أعمال مجلس عمان بغرفتيه، خاصة وأنه أصبحت هناك لجان عديدة مشتركة بين المجلسين منها على سبيل المثال لجان حسم الخلاف على مشروعات القوانين، واللجنة التنفيذية للشعبة البرلمانية، ووفود المشاركات البرلمانية الدولية تحت اسم مجلس عمان، إضافة إلى المراكز البحثية والأعمال التنظيمية المشتركة الأخرى.

 وإذا لم ترق للمسؤولين فكرة دمج الأمانتين العامتين في أمانة واحدة فإنه من الأهمية مستقبلاً أن يتم انتخاب الأمينين العامين لمجلسي الدولة والشورى من بين الأعضاء المعينين في مجلس الدولة والمنتخبين لعضوية مجلس الشورى، من أجل تجديد الدماء في إدارتي المجلسين وتحفيز الكوادر البشرية في الأمانتين، بحيث يضع الموظف في اعتباره أن هناك مسؤولاً جديداً قد يأتي كل أربع سنوات يجب الاستعداد له والتعاون معه وأقول "قد يأتي" لأن أغلب أعضاء المجلسين لا يكتفون بفترة وفترتين برلمانيتين بل قد يأتي نفس الشخص بالانتخاب أو بالتعيين في عضوية المجلسين لأكثر من فترتين أي أكثر من ثمانية أعوام ويتم انتخابه لمنصب الأمين العام، مع هذا سيكون انتخاب الأمينين العامين عاملا مهما ومهما جداً لتقريب الإدارة من الأعضاء وتحفيز الموظفين للاستعداد لأيِّ تغيير بدل الجمود الإداري الذي قد يطول لعشرات السنين ويتسبب في شيء من التراخي و تراجع الإنتاجية وسيطرة العلاقات الشخصية في القرارات الإدارية، علماً بأنَّ أول أمين عام للشورى في العام 1991 تم اختياره من بين الأعضاء لكنه استمر بعد ذلك في منصبه بالتعيين لأكثر من عشرين عاماً، وأمين عام مجلس الدولة سيكمل عامه العشرين بداية السنة المقبلة وأمامه عامان آخران حتى انتهاء الفترة الثامنة الحالية للمجلس.

أما بخصوص الشخصيات التي يدعوها مجلس عمان للمثول أمام الشعب سواء كانوا وزراء خدمات أو رؤساء هيئات أو مسؤولين آخرين فهولاء في الحقيقة هم ليسوا ضيوفاً على المجلس  كما يُعلن، ووجودهم تحت قبة المجلس هو بحكم القانون، من أجل توضيح سياسات معينة أو لتقديم بيان عن بعض الأمور الداخلة في اختصاصات وزارتهم، أو لأجل الاستجواب "وهو الذي لا تتقبله الحكومة حتى الآن" ولم أجد لجلوس الوزراء على المنصات جنباً إلى جنب مع رئيسي المجلسين ونوابهم أي مبرر من القانون أو الأعراف البرلمانية "يذكرنا بحالة جلوس ممثل الادعاء العام في منصات القضاء سابقاً التي تم تصويبها" ومن الأنسب أن يكون للمدعوين مكاناً بين أعضاء المجلسين في القاعة على يمين المنصة الرئيسية، ويكون للأمانة العامة مكاناً آخر على يسار المنصة وليس في المنصة، لأن الذي يجلس في المنصة إلى جوار رئيسي المجلسين ونوابهم يفترض أن يكون نائب رئيس السلطة التنفيذية أو نائب رئيس السلطة القضائية إذا دعت الحاجة إلى ذلك وليس أعضاء هذه السُّلطات الذين هم في مستوى أعضاء مجلسي الدولة والشورى، إضافة إلى أن أعضاء مجلس عمان وبالخصوص أعضاء مجلس الشورى يستحسن أن يتحدثوا وهم واقفون كباقي أعضاء البرلمانات النيابية في العالم لأنهم يتحدثون أمام الشعب، بدل الجلوس وقراءة الأوراق عند النقاش في الجلسات العامة.

 

Sh-almaskry5@hotmail.com