صعدنا الجبل مع سيف

زينب الغريبية

يقال بأن الصورة تكفي عن ألف كلمة؛ فماذا لو حدث العكس وكفت الكلمة عن 100 صورة، هكذا ما كان في كتاب "الصعود إلى الجبل الأخضر"؛ حيث قرَّر زوجي الخروج من ضغط العمل لكلانا، لنصعد الجبل مع سيف الرحبي، في كلمات عذبة نقعد فيها على طاولة المقهى لنكملها على كنبة المنزل، يقرأ وأنا أستمع، لم نشعر حينها أننا في مقهى أو أننا في صالة المنزل، بل عشنا جو الطبيعة الجميلة، كانت كل كلمة تحمل بين حروفها مشاهد كثيرة.

عِشنا أجواءً من الطبيعة الممزوجة بمواقف استحضرها الكاتب وكأنها حقيقة تحدث أمامنا، وصف القرى بكرمها وتاريخها بمزج جعل منها حكاية عذبة ترى التاريخ ينساب للحاضر في وادٍ وسط قرية بسُكَّانها المتسمين بالكرم، برائحة الطبيعة الغناء. حتى في لحظة تسوُّق أخذنا قسطا من الراحة، وجلسنا لنكمل رحلتنا مع سيف، في شغف لما يعقب بفقرات، حينها لم نشعر أننا في مركز تسوق وأننا وسط زحمة، بل بالفعل نحن في أحضان الطبيعة مع سيف.

حينما نريد الترويج للسياحة، نحتاج حقيقة للصور الفوتوغرافية التي يلتقطها المصورون البارعون، ونحتاج للخدمات التي تجذب السائح، كما نحتاج للعروض السياحية المقدمة من شركات الطيران والفنادق الموجودة، ولكننا ننسى في خططنا القلم الذي من الممكن أن يرسم كلمات تسحر القارئ، وتشعل في قلبه شوقا إلى ذاك المكان، كتاب كهذا جميل تعميمه، والأجمل التشجيع على قراءته، لنعيش جو الطبيعة والتاريخ، ونستحضر حضارة قائمة في ذاك الجبل الشامخ الذي رسخت جذوره عمان، مقدما للتاريخ والحضارة والإنسان بصمة ما بقي الدهر.

ففي كتابات كهذه تجتمع أنماط مختلفة من الحب لتصنع كتابا رصينا، يعد نافذة تطل من الجبل على كل سفح وكل جزء من تلك السفوح، صانعة صورة جمالية ناعمة، تجتذب من يمر بين سطورها، حب المكان والأرض، وحب الإنسان الذي عاش وما زال يعيش فيها، وحب الكتابة بل والهوس بها، وحب من سيقدم له هذا الكتاب، كل هذه الروافد من الحب صبت في "الصعود إلى الجبل الأخضر" لتعكس جمال ذاك الحب وصدقه.

لو كتب الكثيرون ممن يجيدون التصوير اللغوي، وعبّروا عن مناطق معينة ينتمون لها إما بأصولهم أو بمواقف حدثت لهم فيها، أو بارتباط حدث في زمن ما لحدث معين، أو لحدث تاريخي في ذاك المكان، لخرجنا بإرث حضاري سياحي يظل خالدا، يعكس الفترة التي يعيش فيها ذاك الجيل ليكملوا على مسيرته، ولخرجت مناظر وبيئات عمان للشعوب القارئة التي تحب اكتشاف ما تراه عينها، ولجذبت الكثيرين للقدوم لرؤيتها على أرض الواقع، هذا ما قادني إليه هذا الكتاب، فالبفعل لو تبنت جهة معينة هذه الفكرة وطورتها وبدأنا تطبيقها بالكتابة والترجمة والنشر داخليا وخارجيا، لتحقق الهدف المرجو منها.

فربما الالتقاء بشعوب خارج البلاد في كل مكان للحديث والترويج للسياحة، وقد تكون الإعلانات المرئية مكلفة من ناحية، وبها صعوبة للوصل إليها في كل مكان، ولكن الكتاب يسهل عبوره بين القارات بل ومدنها وقراها، فكتاب إلكتروني على مواقع نشر عالمية، يصل لأماكن لا تصلها طائرات، ولا حملات ترويجية.

لا يمكن الاستهانة بقوة الكلمة، ومدى تأثيرها، ولا يستهان بدور الكتاب في حفظ التفاصيل المكتوبة على صفحاته ليعبر بها الأزمنة والأمكنة، ويبقى خالدا ما بقيت الحياة، وإن توارى جسد صاحبه بعد عشرات سنين يقضيها على سطح الأرض لتحتها، تبقى قوة كلمته لأجيال تنقل لهم الصور الخلابة، والأحداث التي كانت، ويجدون تاريخهم بين أيديهم، ليتخذوه أساسا يمشون عليه لاستكمال المسيرة.

أتمنى أن أشهد يوما أستطيع فيه أن أصعد كل الجبال وأهبط كل الوديان، وأتحدث بكل اللهجات، وأعبر كل الطرقات والشوارع بين الولايات بل وحاراتها وقراها، وأستظل بأشجارها، وآكل من ثمارها، وأدخل بيوتها ومساجدها، وأتعرف على عاداتها، وآخذ حديث تاريخها، وأستمع إلى حكايات أساطيرها، كل هذا ليس بوجودي بها واقعا، ولكن بالتحليق ببصري وعقلي بين صفحات كتب خطت بها، على أيادي محترفين يمزجون كل هذا الخليط الحضاري في قوالب أدبية شقية.