"الواتساب" الذي أسقط مبادئنا!

محمد بن حمد البادي

لا شك أننا انجرفنا جميعا تقريبا مع تقنية المعلومات، وأصبحنا عبيدا لهواتفنا النقالة، وأسرى ما يردنا من رسائل، على الرغم من أنّ غالبيتها تتسم بكم كبير من السخافة وقلة الأهمية، ولكننا لا نكتشف ذلك إلا بعد صرف الكثير من الوقت والجهد في تنزيلها ومشاهدتها أو قراءة مضمونها.

وتعتبر وسائل التواصل الاجتماعي سلاحا ذو حدين، يمكن استخدامه للخير بنشر الهادف من الرسائل، وهذه قلة، ومن يهتم بقراءتها أقل، أو لنشر الشر وتلفيق الأخبار، ونشر الإشاعات، وبث القصص والفضائح، خيالية أو حقيقية، ولكنها غالبا غير ذات معنى، وتهدف أحيانا للتضليل العام، والتأثير في الآخرين، وغير ذلك من أهداف تخريبية وبث الفوضى في المجتمعات وتدمير شامل للأخلاق والمبادئ والقيم الفاضلة، وهذه بالتأكيد تستهوي السواد الأكبر من أفراد المجتمع بمختلف أطيافه وتعدد شرائحه. مئات بل آلاف الرسائل التي تسقط في أيدينا يومياً عبر الهواتف النقالة أو أجهزة الحاسب الآلي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة (الواتساب، والفيسبوك، والتويتر، وسناب شات، وانستجرام، وغيرها من البرامج) أسقطت معها الكثير من مبادئنا وقيمنا التي أصبحت هشة وتهلهلت بسببها تلك الأخلاق الفاضلة النبيلة التي نشأنا عليها.

لقد أصبح الكثير من الناس لهم عالمهم الخاص الذي يعيشون فيه في عزلة شبه تامة عن البشر، مع استمرار انشغالهم بالهاتف، الذي أصبح يشكل خطرا عليهم، بعد أن بدأ كل منهم استخدامه بغرض التسلية فقط ولكن للأسف الشديد تطوّر الأمر وتحوّل الحال إلى الإدمان الشديد جداً، وأصبح الهاتف عامل تباعد بين الناس بعد أن كان عامل تقريب، بحيث أصبح الواحد منّا في جلسات العائلة أو الأصدقاء قابعاً في زاوية بعيدة منعزلة يتواصل مع غير الموجود، ويتجاهل الموجودين من حوله، وإن هذا ـ بلا أدنى شك ـ يعتبر من قلة الذوق والأدب.

يقول أحد الأصدقاء مع سيل الرسائل الهائل التي تردني على الواتساب، والتي تتجاوز أحيانًا الألف رسالة يوميًا، اكتشفت إنني أصبحت أضيع الكثير من الوقت في متابعة ما يردني من رسائل. وأن حياتي قبل استلامها، كانت أكثر جمالا وبهاءً وإنتاجية، ولكنّها أصبحت أكثر توترا وانفعالاً مع كل هذا الكم من الأخبار. وأنّ معظم الرسائل تفاهات لا تعني شيئا، ولا تضيف لي شيئاً جديداً، سوى أنّها مضيعة للوقت والجهد والمال.

ويقول أحدهم: اعترف بأنني أصبحت أقل "أدباً وذوقاً" في الجلسات العائلية والاجتماعية، لقد اصبحت أشعر بالخجل الشديد عندما أنشغل عن أهلي وأصحابي وجميع من حولي برسائل الواتساب، لكي أتابع حريق في منشأة حكومية أو "هوشة" في طائرة، أو هواشة شياب أو هواشة سكارى أو مطاردة بين الكلب والقط أو لقطات من مباراة كرة قدم. لذلك قررت أن أفك أسري، وأترك الهاتف في السيارة، أو أغلقه بشكل نهائي إن كنت في جلسة، احتراما لنفسي أولاً وللحضور ثانياً. فكثير من الناس مستعد لأن يفرط في قيمه ومبادئه في مقابل أن يتمسك بهاتفه في كل الأوقات وكل المناسبات ولست مستعداً لأن أكون أحدهم.

وقال صديق آخر لقد لاحظت في محيطي العائلي إن الكثير من الآباء والأمهات يدفعون صغارهم، بالذات، للانشغال باللعب في الهاتف النقال دون مراعاة لصغر سن هؤلاء الأطفال ومدى ما يشكل ذلك من تأثير سلبي عليهم، سواءً كان هذا التأثير في الجانب الصحي أو التربوي أو الأخلاقي، كل ذلك لكي يتفرغ هؤلاء الآباء لمتابعة مباراة كرة قدم تافهة أو مسلسل تركي خال من كل المبادئ والقيم التي تربينا عليها، وهذا يعتبر جريمة بحق هؤلاء الأطفال بصفة خاصة، وحق الإنسانية بصفة عامة.

وصديق آخر قرر مقاطعة "الواتساب" تدريجيا، بعد أن تكونت لديه قناعة تامة عن طبيعة المواد التي ترده من الكثيرين، أو من خلال القروبات، وإلغاء غالبية ما يرده، وعدم تضييع وقته على ما لا يستحق فعلا انتظار تنزيله ومشاهدته. وهذا القرار يجب على كل منا أن يفكر فيه بجدية تامة، فلو قام أكبر عدد منا بالشيء نفسه فبالتأكيد سيقل كثيراً عدد الرسائل التي تنتقل من هاتف لآخر، وغالباً في تكرار ممل، وخاصة السخيفة منها، وسيكون لوقتنا قيمة أكبر ولحياتنا طعماً ألذ. فما معنى أن تكون مشترك في أكثر أو أقل من خمسين مجموعة واتساب إلا المزيد من هدر الوقت والجهد في  استقبال وتنزيل وقراءة رسائل مكررة وأغلبها ممل وتافه وسخيف لا يمكن أن يضيف لحياتك شيئا جديدا.

ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المقال ـ وللأسف الشديد ـ نلاحظ تعود كثير من الناس تصفح الواتساب وهم يقودون السيارة في الشارع العام المزدحم بالسيارات، فاليد اليمنى مشغولة بالهاتف لتصفح الواتساب أمّا اليد اليسرى فتركوها وحيدة لقيادة السيارة، ولا ينظرون إلى الشارع إلا قليلاً دون وعي منهم أو تركيز أو مبالاة بسلامتهم وسلامة الآخرين وقد اختاروا استبدال قاعدة (احذر مفاجآت الطريق.. بقاعدة احذر مفاجآت الواتساب).

يقول اينشتاين: أخاف اليوم الذي تتجاوز فيه اهتماماتنا بالتكنولوجيا تفاعلنا الإنساني، عندها سيصبح العالم من مشرقه إلى مغربه جيلا من الأغبياء والحمقى يعيشون في قرية واحدة.

يجب علينا أن نعيد حساباتنا ونراجعها مراراً وتكراراً، لا أقصد الحسابات البنكية ولا حسابات الخصوصية التي نقتحم بها العالم الافتراضي من خلال بعض المواقع على الشبكة العنكبوتية العملاقة، بل تلك الحسابات المتعلقة بعاداتنا وتقاليدنا ونمط عيشنا من أجل التخلص من السيئ منها، لا بد لنا من أن نتسلح بإرادة فولاذية قوية من أجل الفكاك من اي شيء يقيدنا. يجب ألا نكون تحت سيطرة أو تأثير أي عامل خارجي يعيدنا مئات الخطوات للوراء أو أن نسمح له بالتأثير علينا سلباً.

وأبسط الأمور.. جرّب أن تبتعد قليلاً عن الهاتف وعن الانترنت وعن وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف مسمياتها وستكتشف أنه لم يفتك شيء مهم فيها، ولكن فاتك شيء كثير خارجها، فالحياة فيها أشياء كثيرة غير الهاتف والانترنت تستحق منا الكثير من الاهتمام بها وأن تكون على قمة هرم أولوياتنا.

Mohd.albadi1@moe.om

تعليق عبر الفيس بوك