"خالف تُعرف"!

هلال الزَّيدي

حبُّ الشُهرة والوصول إليها لا يحتاج إلا إلى مخالفة القوانين والشرائع، والتنكُّر للعادات والتقاليد لتُصبح حديث المجالس الواقعية والافتراضية التي تبحث عمَّا يُلهيها عن أهم قضاياها الإنسانية؛ لذلك طبق الكثيرون ذلك المثل القائل: "خالف تُعرف"، فكلما توسعت فجوة الاختلافات الشكلية لديك أصبحت ممن يشار إليهم بالبنان، وهذه قضية استفحلت كثيراً في المجتمع، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل هناك توجيه متعمَّد من قبل جهات أو أفراد نافذين حتى يتحكموا في اهتمامات الأفراد؟ فإذا سلمنا بذلك، فإن هذا التصرف ليس وليد اليوم وإنما منهجية تقوم بها مختلف التكوينات السياسية والاجتماعية حتى تقيس مدى ثقافة المجتمعات في مسألة التأثر والتأثير، أي: توجهات الكيانات تعطي متخذ القرار مؤشرا حقيقيا في كيفية التعامل مع "كومة البشر" لتحقيق مصالحهم المتمثلة في فرض الواجبات وتلبية ثُلة من حقوقهم الإنسانية بعد مزيد من الترجي والتودد.

لقد أصبحتْ مسألة خرق القوانين طريقًا نحو تحقيق مكسب الشهرة مهما كانت الأسباب التي تدفع الأشخاص إلى تبني مثل هذه الأفعال، وهذا نذير شؤم يدفع المجتمعات إلى تبني معتقدات سطحية لا تساعد على بناء أجيال قوية، وإنما تُدلل على ضعف في البنية الأساسية التي تُربي الأفراد المتمثلة في قيم التعليم وتكوين عقول قادرة على تخطي سفاسف الأمور؛ فالانغماس في تحليل ظاهرة واحدة أو ربما "شذوذ فردي" يُكلفنا الكثير من الوقت والكثير من الأموال، وهذا يجعل المخططين لا يعيرون القوة الاجتماعية أية أهمية؛ لأنَّ الشكليات هي الطاغي الرئيس على الحياة؛ وبالتالي سندور في نفس الحلقة دون إحداث انفراج لأزمتنا، لأننا فقدنا التقييم الدقيق للتحديات التي تواجهنا، حتى بات متخذ القرار يعمل بحسب ما يتوقع أنه صحيح، لأن المجتمع هش لا يقوى على فهم أعماق المشكلات التي تحدث مع التطورات العشوائية.

الكلُّ يتحدث عن فيتامين "واو" ودور الواسطة أو الوساطة في تحقيق أمنيات أو ربما حقوق مكتسبة لبعض الأفراد، وذهب الآخرون إلى وصف قوة هذا الفيتامين بأنها مضادة للقوانين التي وضعت لتطبق على الأفراد كافة دون النظر إلى مواقعهم أو مناصبهم؛ فالكل سواسية أمام القانون، لذلك لم تعد هذه السواسية مطلقة وإنما موجهة لفئات دون أخرى بحسب مراكز القوة التي تتمتع بها، وبالتالي انفرط العقد المؤسسي الذي ربما كنا نراهن عليه في إيجاد مسار واضح في كافة التعاملات البشرية، ولعل هذه نظرة مفرطة في الحساسية إذا كانت قراءتنا تتجه إلى هذا المفهوم، إلا أن تلك الأحداث الصغيرة أصبحت تتزايد، كون الهشاشة التي أسست قواعد المجتمع لا تُسهم في تخطي مثل هذه الأحداث، وإنما تدفعنا للتحذير منها ودراستها بعُمق كبير حتى لا تصبح ظواهر تُفتت أحلام البناء المؤسسي.

هناك من وجَّه النقد المفرط إلى أولئك الذين يتعاطون مع مختلف الحوادث الهامشية بشيء من التركيز، وهذا ما نتفق عليه جميعاً حتى لا نُعطي التافهين أكبر من حجمهم، إلا أن حرية الرأي غير المنظمة تدفع بالأشخاص بالتعبير عن آرائهم، وإبداء ولائهم الفكري بحسب ما يرون حتى وإن اتسعت مساحة الاتفاق معهم لتتبنى آرائهم على مستوى جماعات أو مؤسسات، وربما هذا يقودنا إلى الانفتاح الإعلامي الذي يشهده العالم، والذي تم استغلاله في غير محله؛ لذلك توجه الكثيرون إلى تحقيق مآرب شخصية لا تتعدى إلا تحقيق شهرة وقتية يحتاجون إليها لبلوغ هدف ما.

إنَّ دَفْع التافهين إلى منصات الصعود قضية أخرى تدور في مختلف أروقة الحياة، وهذا ما يجعلنا نعيش على السطحية التي تحدثت عنها، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: من الذي تسبب ويتسبب في الدفع بمثل هؤلاء؟ هل الأفراد أو اللوبيات التي تتحلق حول أولئك التوافه؟ أم أن هناك جهات ومؤسسات تُدار من قبل أمثال أولئك الشخوص، وبالتالي يبحثون عمن يشبههم فيستغلون الإمكانيات المتاحة لهم فيطفقون تصفيقاً وتمجيداً لهم، وفي مقابل ذلك يدفعون بالجادين إلى هوامش  العزلة وتقليص قدراتهم عبر تهميشهم وعدم الاعتراف بما لديهم من معرفة. هنا، تبرز نجومية التافهين فيكونون في مقدمة المشهد العام، وهذا يؤثر بدوره على كيفية التعاطي مع القضايا المهمة والأساسية.

يُقال: إذا أردت أن تصرف المجتمع عن قضاياه المهمة، ما عليك إلا أن تصوغ لهم "ملهاة" ظاهرها الفائدة، وباطنها الانحطاط والانفصام، كما أن عليك أن تضع الحقوق في قالب الكرم الذي تتفضل به عليهم، فتخضع تلك الحقوق إلى اشتراطات ومسارات ملتوية تعتمد على البيروقراطية العقيمة، ليعيش الفرد طيلة عمره "مُطالب" يقرع الأبواب دون أن ينتبه لبناء توجهاته الفكرية، وهذا بحد ذاته كافٍ لإيجاد جماعات "مقادة، ومنقادة".

----------------------------------

همسة: لم تعد الشهرة فقاعة تتسع ثم تختفي، وإنما قيمة تتكسر عندها المبادئ والقوانين، فيتاح لك ما لا يتاح لغيرك.

* كاتبٌ وإعلامي

abuzaidi2007@hotmail.com