لا تكونوا أوصياء على المعلم

حمود بن علي الحاتمي                                                    

مهنة التَّعليم مهنة إنسانية تعول عليها المجتمعات في صناعة أجيال المُستقبل ولذلك فإنَّ المُعلم يحظى بمكانة عظيمة وورد في الأثر (المعلمون ورثة الأنبياء) وأحمد شوقي قال (قم للمعلم ووفه التبجيلا  كاد المعلم أن يكون رسولا).

وقديمًا نجد أنَّ التربية العمانية تولي المُعلم جل اهتمامها فالمُجتمع هو الذي يختار المُعلم الذي يعلم أبناء القرية وفقاً لعلمه وأخلاقه وكانت القرية هي من تبني المدرسة قد بني للمعلم المسكن المجاور للمدرسة والقرية هي التي تعظم من مكانته ليقينها أنَّ تلك المكانة ستنعكس على الناشئة وتمكن المعلم من إدارة طلابه بهيبته ليحقق الهدف الذي يسعى إليه، كما تسعى الأسر إلى تكريم المُعلم حينما يختم أبناؤها حفظ القرآن الكريم من خلال احتفالية خاصة لها طقوسها.

واليوم تولي الحكومة الرشيدة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المُعظم رعاية وعناية واهتماماً بالمعلم العماني من خلال اختيار المعلم وفق أسس علمية وتأهيله في الجامعة وأنشأت مراكز تدريب تربوي في مختلف محافظات السلطنة من أجل استدامة إنمائه المهني وتجديد مهارته ومعارفه وإشراك المعلمين في ملتقيات تربوية دولية.

وعملت وزارة التربية والتعليم على تحفيز المعلم ودعمه من خلال تشجيع مبادراته وإقامة حفل تكريم للمعلمين المجيدين وتحرص معالي الدكتورة مديحة بنت أحمد الشيبانية على دفع جهود المعلمين ومبادرتهم نحو التطوير من خلال متابعتها لهم شخصيًا في ميدان العمل في مختلف محافظات السلطنة، ويحرص المعلم العُماني على الارتقاء بذاته من خلال إكمال دراساته العليا في جامعات السلطنة وخارجها للحصول على الشهادات العليا مثل الماجستير والدكتوراه  في تخصصات تربوية مختلفة فضلاً عن حضوره الدائم لمختلف الورش التدريبية.

والنتائج التي تحققها السلطنة في التعليم وفق التقارير الدولية وبروز طلاب متميزين في الجامعات المختلفة كان نتاج غرس المعلم العماني وعطائه.

وحُظي المُعلم العُماني بسمعة طيبة من خلال عمله بدول مجلس التعاون الخليجي فقد أفردت الصحافة القطرية صفحات تتحدث عن كفاءة المعلم العماني وقدراته وإسهاماته في التعليم بدولة قطر

المعلم العماني تميز بجهده وإخلاصه لوطنه وأروى مدارس وطنه علما وأفاض على طلابه نبلاً وأخلاقاً.

ومع ما تمَّ سرده من مكانة المعلم وعطائه إلا أنه ظهرت في المجتمع ظاهرة الوصاية على المعلم. فمع بداية العام الدراسي ظهرت كتابات في التواصل الاجتماعي تملي على المعلم بعض الوصايا (افعل كذا ولا تفعل كذا) وامتدت هذه الوصاية حتى وصلت إلى منابر المساجد وأضحت خطب المنابر مع بداية كل عام تحمل الكثير من الوعظ للمعلم ولم يكتفِ الوعاظ بالمساجد حتى شملت التويتر والفيسبوك وصارت تغريداتهم قرآناً يتلى في الواتساب.

كل ذلك وكأن هذا المعلم لم يخرج من رحم هذا المجتمع وتشبع بأخلاقه وعاداته وتقاليده متمسكاً بدينه وهو مصدر عطاء وخير لمن حوله.

كأنَّ هذا المعلم لم يمر بسلسلة من التكوين والبناء منذ التحاقه بسلك التدريس ولا يحظى بالتدريب الكافي وكأن التقييم الذي يخضع له من إدارة المدرسة والمشرفين التربويين وجهات عليا في وزارة التربية والتعليم لم يرض طموح هؤلاء ولم يبعث فيهم الطمأنينة بكفاءة المعلم العماني.

المعلم العماني جُبل على التَّضحية والإخلاص في مُختلف مواقع العمل الوطني ولا يقتصر دوره داخل الغرفة الصفية بل أضحى مثلاً يحتذى به.

نراه مقدامًا في العطاء والبذل، وفي مقدمة العاملين بالفرق التطوعية التي تنتشر في المحافظات ويتولى الريادة في مساعدة مجتمعه ومساهمًا في كل ما يرقى به هذا المجتمع.

لا يجب أن نكافئ المعلم بالوصاية عليه وغدا لسان حال المعلم يقول لمن يمارس هذه الوصاية عليه: (صونوا ألسنتكم عني فإنِّي بشر أخطئ وأصيب).

alhatmihumood1972@gmail.com