"تجارة" التعليم وظاهرة المدارس الخاصة

 

مسعود الحمداني

انتشرت المدارس الخاصة في السلطنة انتشار النار في الهشيم، كلها تُقدم سلعة واحدة هي التعليم على (أحدث) النظريات والأساليب التعليمية، وارتبط كثير منها أكاديمياً مع عدد من الجامعات أو الكليات العالمية لإغراء الناس بتسجيل أبنائهم فيها، وبالفعل تحقق هذه المدارس نسباً عالية من الالتحاق فيها، ولعل الكثير من أولياء الأمور المقتدرين مالياً لا يحبذون المدارس الحكومية، ويتجهون لهذه المدارس لظنهم أنَّها تقدم لهم أفضل ما لديها.

وبالفعل فإن كثيرًا من المدارس الخاصة تعتني بالجوانب التعليمية والترفيهية لطلابها، وتقوم بالكثير من الجهد في خضم منافسة حادة من بقية المدارس، غير أنَّ الجانب المالي طغى كثيرا على إدارات هذه المدارس حتى غدت رسوم الالتحاق في بعضها تفوق تكاليف الكثير من الجامعات العالمية، وذلك في ظل وجود نظرة سلبية من بعض أفراد المجتمع تجاه المدارس الحكومية، ومدى قدرتها على منافسة أساليب التعليم الحديثة التي تتبناها تلك المدارس الخاصة.

ولعلَّ الربحية التي تحققها المدارس الخاصة أغرت الكثيرين لخوض غمار هذه التجربة المربحة مالياً، سواء من المهتمين وذوي الخبرة، أو غيرهم من أشخاص يبحثون عن المال عبر (تجارة) التعليم، غير أن الأمر زاد كثيراً عن حدّه في بعض المناطق حتى غدا ظاهرة ملفتة للنظر، حيث تحولت الكثير من الفلل والبيوت في المناطق السكنية إلى رياض للأطفال أو مدارس خاصة تمارس عملها دون جودة في التعليم، أو إثراء معرفي، أو إضافة فعلية للعملية التدريسية في الدولة، حتى شكّلت المدارس والروضات فائضاً في سوق التعليم على حساب النوعية والجودة، بل إن مباني بعض المدارس التي نشاهدها لا تشير إلى أنه يمكن أن تكون مكاناً صالحًا للدرس، ولحركة الطلبة، ناهيك عن تجويد التعليم، واستثمار الطاقات الطلابية بشكل علمي صحيح، وأعتقد أنه قد حان الوقت لوضع ضوابط جديدة لتقنين عملية منح التراخيص لهذه المدارس قبل أن يتحول التدريس لدينا إلى (دكاكين) تستهدف الربح المادي على حساب المعرفة، والعلم ومناهجه الحديثة، حيث كثرة العرض من المدارس، وسوء الإدارة والتدريس.

صحيح أن الفيصل في السوق هو المنافسة، ونوعية الخدمات التي تُقدمها كل مدرسة وكل مشروع، ولكن القوة كذلك في توعية أصحاب المشاريع التعليمية للاتجاه نحو عملية (الدمج) بين المدارس القريبة من بعضها، في مبنى واحد، حيث يتيح ذلك التركيز على جودة التعليم، وتنوعه، وقلة المخاطر المحتملة مستقبلاً من النواحي الإدارية والمالية، كما أنَّ اشتراطات منح التراخيص للمباني المستخدمة كمدرسة يجب أن تكون أكثر صرامة، إضافة إلى ضرورة وجود مسافات كافية بين كل مدرسة ومدرسة، مع وجود مواقف للحافلات ومرافق طلابية في كل مبنى، إلى جانب مراقبة لصيقة لسياسات التعليم والإدارات في هذه المدارس الخاصة، وغير ذلك من ضوابط أكثر جدية مما هي عليه حاليًا، لأنَّ الاستثمار في التعليم هو العنصر الأهم في العملية التخطيطية للدول المتقدمة، وحتى لايتحول التعليم لدينا إلى مُجرد تجارة تسعى للربح على حساب الجودة، والنوعية، والهدف الفعلي الذي أنشئت لأجله.

 

Samawat2004@live.com