الحرب السوريَّة.. لا غالب ولا مغلوب

 

يَبْدُو أنَّ الحربَ في سوريا تقترب من وضع أوزارها، بعد أكثر من ست سنوات ونصف من الخراب والتدمير والاقتتال الداخلي والتناحر الطائفي البغيض، ودخول جماعات من المرتزقة والميليشيات المسلحة، كلٌّ يقاتل بدعوى نصرة الحليف، لكنهم في حقيقة الأمر لم يكونوا سوى أدوات في أيدي منظمات تخريبية وإرهابية.

الحرب في حقيقتها لم تكن سوى حرب بالوكالة، بين أنظمة إقليمية وأخرى دولية، سعى كل طرف فيها إلى أنْ يقود المعركة وفقا لمصالحه، مُتجاهلا مصالح الشعب السوري الذي تعرض الملايين منه لعمليات قتل وتهجير ونزوح ولجوء، فتفرَّقت الأسرة السورية بين ابن لقي حتفه في المعارك، وآخر معاق نتيجة تعرضه لقصف جوي، وثالث نازح إلى بلدة أخرى، وآخر غرق في البحر أثناء محاولته الهرب من أتون المعارك الملتهبة، فيما يجلس الأم والأب شريدين في مخيم للنازحين، يُعانيْن قيظ الصيف وزمهرير الشتاء.

الحربُ قاسية ولا مَكْسَب فيها.. هكذا تقول القواعد الإنسانية، فمهما خرج المنتصر بغنائم الحرب، فإنَّها لا تعادل تكلفة الخراب والدماء التي أريقت، ومهما ادَّعى الخاسر أنه هُزم بشرف، فلن يتمكَّن من أحياء القتلى وعلاج المصابين بعاهات دائمة.

والمعاركُ الدائرة رحاها في سوريا، لن يُكتب لها النهاية طالما لم تتفق الأطراف المتناحرة والملطخة أيديهم بالدماء، على الجلوس على مائدة الحوار لإنجاز اتفاق سلام دائم وعادل، يُؤهِّل البلاد لمرحلة إعادة الإعمار، ويفتح المجال أمام أطفال عمرهم ست سنوات الآن، خرجوا من بطون أمهاتهم على وقف القصف الجوي وأزيز الطائرات وانفجارات الدانات المنطلقة من فوهات المدافع.

لا غالب ولا مغلوب في هذه الحرب؛ فالجميع خسر، والكل تجرَّع كأس المر الإنساني الممزوج بالآهات والمليء عن آخره بدموع المكلومين والثكالى.. لا حديث في الوقت الحالي عن خسائر النظام أو المعارضة، بل هي خسائر وطن، كان في وقت مضى منارة ثقافية وواحة غناء، ومزارا سياحيا بارزا، ما لبث أن تحول إلى مدن أشباح، وأطلال عفنة تعشعش فيها الخفافيش، وتسكنها الكلاب الضالة، وتتصاعد منها رائحة الموت.

... إنَّ آمالَ السلام الآن على بُعد ميل من جميع الأطراف، لكنَّ اتخاذ الخطوة يتطلب جرأة وشجاعة من الجميع، تنازلات من الأطراف كلها، وقبل كل ذلك الدعم الدولي والغطاء الأممي لإحلال السلام.

تعليق عبر الفيس بوك