ماذا سيحدث منتصف سبتمبر المقبل؟

 

د. عبدالله باحجاج

كيف وصلت قضية التعويضات في مشروع منطقة الحافة إلى التَّهديد بقطع التيار الكهربائي والمياه عن منازل تسكنها أسر؟ وهل يُعقل أن تلجأ السلطات الرسمية المحلية إلى حرمان الأسر من أهم حقين من الحقوق الأساسية للمواطنة خاصة، والإنسانية عامة؟ وهل الأسباب التي تدفع إلى الحرمان قوية ومبررة؟ وهل القانون يقف إلى جانبها؟

تلكم التساؤلات نطرحها على سبيل الافتراض، لمعرفة الخطوة التالية بعد أن أرسلت السلطة الرسمية المختصة إنذارات لأصحاب المنازل والمحلات التجارية الواقعة في مشروع تطوير منطقة الحافة بقطع التيار الكهربائي والماء عنها في منتصف شهر سبتمبر المقبل. وقد تناولنا في مقالنا الأخير المعنون باسم "أين البديل المؤقت؟" هذه القضية من منظور سوق الحصن التقليدي المعرض الآن للهدم دون إيجاد البديل، ودون معرفة متى سيُعاد بناؤه من جديد، ودون الاعتداد بالضرر الذي سيحصل لشبابنا العاملين فيه، والذين لا يمتلكون مصدر دخل آخر، ومن خلال محلاتهم التجارية التي توارثوها عبر مسيرة عائلية متجذرة، يعيلون أسرًا، وليس لهم مصدر دخل آخر، فمن أين، وكيف سينفقون على أسرهم؟

لكن، المفاجأة أن التهديد بقطع التيار الكهربائي لن يقتصر على  المحلات التجارية في سوق الحصن، وإنما يسرى التهديد نفسه على منازل عدد من الأسر في هذه المنطقة، وسيشمل الماء بالإضافة إلى الكهرباء، إذا لم تنصاع هذه الأسر لأوامر الإخلاء في ذلك التاريخ رغم أنَّ قضية التعويض لم تحسم بصورة نهائية معها.

هل سيمارس عليها القوة؟ وتحت أية مظلة قانونية؟ أو سيكتفي بحرمانها من الماء والكهرباء فقط؟ وفي كلتا الحالتين، سيدخلنا المسؤولون في أزمة بين المواطنين والجهات المعنية، ففي قضيتنا، لم يفكروا  في المرحلة الزمنية لتنفيذ الأوامر، وطبيعة الظروف الميدانية التي ستُصاحبها، وهى مرحلة معقدة جدا، وستحدث فيها احتكاكات، هذا مؤكد، إذا ما أصر المسؤولون على تنفيذ الأوامر دون حل قضية التعويضات العالقة، وببساطة، كيف نتصور أن تقبل الأسر أوامر الإخلاء ولم تسو قضية تعويضاتها بصورة نهائية؟

هناك خياران محتملان لمرحلة تنفيذ أوامر الإخلاء، قد يكونان متزامنين أو منفصلين، وكلاهما لا يرتقيان إلى مستوى الجوانب الإنسانية التي يفترض أن تكون هي أساس العلاقة بين السلطة والمواطن، خاصة وأن قضية المنازل العالقة فيها الكثير من الحمولات العاطفية والاعتبارات الموضوعية التي ينبغي أن تقدر عاليًا، لا أن تصادر، ويتعامل معها.

الأول،  قطع الماء والكهرباء عن الأسر، وفي هذه الحالة سيسجل المسؤولون إساءة جديدة للسلطة المحلية، فكيف تعيش أسر عُمانية دون ماء وكهرباء؟ وكيف لو كان لهذه الأسر خلفيات تاريخية وسياسية؟.

والخيار الثاني، استخدام القوة بعد قطع الكهرباء والماء، في حال لم يتم الإخلاء، وهذا احتمال مرجح كذلك، ونخشى استغلال قانون التجمهر وتطبيقاته التعسفية – كما حدث في واقعة سابقًا– تناولناها في مقال سابق بعنوان "التلويح بتهمة التجمهر.. آخر تداعيات مشروع الحافة" وتساءلنا فيه، هل سيستخدم قانون التجمهر كسلاح لتمرير عملية هدم ما تبقى من بيوت قديمة في منطقة الحافة (وهي قليلة جداً)؟ فقانون التجمهر يعاقب بالسجن من (شهر إلى سنة) وبغرامة مالية لا تتجاوز مائتي ريال كل من اشترك في تجمهر مؤلف من عشرة على الأقل بقصد الإخلال بالنظام العام، وفعلا، فقد تم التلويح به في تلك القضية، ولو لا حكمة رجل الشرطة في الميدان، آنذاك، لكانت تداعيات هذه القضية مؤرخة في علاقة السلطة المحلية بالمجتمع، ولها تداعيات مستقبلية.

نحن نستدعي مثل هذه القصص لإحياء الذاكرة بها للاستفادة منها من جهة ولتوضيح مسألة في غاية الأهمية، وهى الابتعاد عن توريط القوانين في قضايا اجتماعية ليست مستهدفة أصلا من قبل المشرع، لا من قريب أو من بعيد، واستدعائها في قضايا اجتماعية هو التعسف في استخدام قوة القانون، ومن ثم تسييس القضايا الاجتماعية تحت مظلة عدم النجاح في حلها، وهنا الخطورة بعينها. فالتجمهر – كما ذكرنا في مقال سابق – تهمة تكون ذات توصيف سياسي، وتكون نتيجتها المساس بالنظام العام، وتعطيل المرافق العامة والخاصة، فأين قانون التجمهر من قضايا التعويض؟ وهل يتوقع أن يظل المواطنون بعيدًا عن عملية هدم منازلهم، وهي تقتلع بقوة القرار الإداري وليس القضائي؟ وهل وقوفهم معترضين بالقرب من منازلهم يجعلهم يتهمون بتلك التهمة؟

كما أن هناك أبعادا أخرى تثقل كفة هذه الأسر، وتجعل من مسألة الاعتداد بها لازمة للمسؤولين، وهي تتعلق بتاريخية ارتباطها بالمكان نفسه، وراءه حمولة سياسية ووطنية، لا يمكن تجاهلها، انكشفت لنا أثناء لقاءاتنا مع بعض أفراد هذه الأسر على خلفية مقالنا السابق، وتعرفنا على عمقها الولائي والانتمائي التاريخي والحديث، فكيف يقطع على ورثتها التيار الكهربائي والماء؟

هذه الورثة فيها من الأرامل والقصر والباحثين عن عمل، وعليها من القروض المتعددة، ما يجعل قضيتها تتصدر أولوياتنا، لجوانبها الإنسانية والحقوقية معاً، فمنزلها ومحلاتها التجارية، لم تحل حتى الآن، فكيف سيقطع عنها الماء والكهرباء، هى مثل غيرها، قابلة بمبدأ الإخلاء استجابة للأوامر السامية، وقابلة بأسس التعويضات نفسها، لكنها تتحفظ على تطبيق الأسس على ممتلكاتها، لأسباب موضوعية، نصفها كذلك، بعد أن جلسنا معها ثلاث جلسات، واقتربنا من عواطفها ومشاعرها، ونقدر عاليا شعورها بالإحباط والاستياء من مسألة التطبيق فقط، وقضيتها، هي نفسها، نجدها في قضايا بقية التعويضات العالقة مثل قضية البساتين، وهي قليلة، فهؤلاء المواطنون يشعرون بأهمية واستراتيجية الموقع المكاني لممتلكاتهم، ومستقبلها التجاري والسياحي، فهى إما على واجهة بحر العرب مباشرة، أو في مواقع تجارية تدر عليها حاليا الآلاف شهريا، ومستقبلا ستقدر بالذهب، فكيف لا يعتد بها؟ وقد كتبنا عنها ثلاث مقالات سابقة- تراجع-.

لذلك.. نقترح تشكيل لجنة خاصة بصورة عاجلة لتسوية قضايا ما تبقى من التعويضات العالقة، سواء بالنسبة للمنازل أو البساتين في منطقة الحافة، والتسوية ممكنة وليست صعبة، وإلا، فإن ترك الأوضاع كما هي عليه حتى موعد استحقاق قطع الكهرباء والماء ليست الطريقة المثالية، ولا تنم عن إدارة لحل أزمة قبل أن تقع، ولا تنم كذلك، عن إرادة تهيئة كامل الظروف للانتقال بمشروع تطوير منطقة الحافة إلى التطبيق، وهذه هي البيروقراطية المنتجة للمشاكل الاجتماعية.

الأكثر قراءة