إسحاق نيوتن والوضع السياسي في العالم (2)

 

 

د. راشد البلوشي

أَمِن السياسيون الغربيون انتقام أبناء وأحفاد الأجيال التي عانت من احتلالهم وقمعهم وظلمهم. ولكنهم، كما تثبت الأوضاع السياسية في العالم الآن، كانوا مخطئين لأنهم آمنوا بمثل شعبي بسيط سرعان ما تجاهلوه "بعد ما غرتهم قوتهم وضعف خصمهم"، وبذلك أغفلوا أحد قوانين الفيزياء والتي تعرَّف بـ"علم الطبيعة". وهنا وقعوا في الخطأ، وهو إغفال أحد أهم قوانين الطبيعة، والتي تحكمها قوانين كثيرة.

فنحن نعلم مثلاً أنَّ زيادة الكربون في الهواء تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض (من خلال التأثير على طبقة الأوزون)، وأنَّ اتحاد ذرتين من الهيدروجين مع ذرة من الأكسجين يؤدي إلى إنتاج جزيء من الماء، وأن الماء يغلي عند درجة الحرارة 100 ويتجمد عن الدرجة صفر، وأن الأسماك لا تستطيع العيش بدون الماء، كما أن الإنسان لا يستطيع العيش بدون الهواء، وأن الزيادة في تناول بعض المواد الغذائية يؤدي إلى أمراض متعددة، وأن الزيادة المفاجئة في أعداد الماشية يؤثر سلبا على المراعي الخضراء، وأن استخدام الجرافات للصيد يؤثر سلبا على الحياة البحرية بكامل عناصرها ومكوناتها، وأنه إذا قذفنا جسما ما في الهواء فإنه يعود إلى الأرض بسرعة تتناسب طرديا مع كتلته. والمراد من هذه الأمثلة هو بيان حقيقة أن كل "فعل" من أفعال بني البشر على هذا الكوكب يتبعه بالضرورة "ردة فعل"، لا بد من الاستعداد لها والتخطيط للتعامل معها، ولكن يصعب منع حدوثها (هذا إن لم يكن مستحيلا).

وكل ما سبق يعتبر من قوانين الطبيعة التي يجب على العاقل أن يتوقع نتيجتها إذا ما قام بالمسبب. ولكن السياسيين والعسكريين في هذه الدول الكبرى (الاستعمارية) أغفلوا ذلك، ربما لأن عوامل قوتهم ودهائهم وضعف خصمهم غرتهم فلم يتوقعوا "ردة الفعل" أو ربما طريقة ردة الفعل. أو ربما لم يتوقعوا أن بعض أبناء هذه الدول المستضعفة والمسلوبة الإرادة (سواء بالتحكم المباشر أو من خلال زرع أنظمة أو أجهزة موالية) سيكون لهم من الذكاء والدهاء والقدرة على تنفيذ ما يشهده العالم الآن من عنف وقتل ودمار. (يشهد العالم هجمات إرهابية كثيرة، وأكثر تلك التي يتم إحباطها). يحضرني في هذا المقام تفسير الشيخ محمد متولي الشعراوي للجزء الأخير من الآية رقم 28 من سورة يوسف: "إِن كيدكن عظيم"، فيقول -رحمه الله- إنَّ كيد النساء عظيم لأن ضعفهن أعظم. وبذلك، فإن هناك علاقة عكسية بين القوة البدنية وضرورة حسن التخطيط والتدبير والدهاء. وهذه العلاقة العكسية توضح العلاقة بين أصحاب القوة العسكرية والمستضعفين المكيد بهم والمغلوب على أمرهم.

فمثلما استخدم الغرب عبقريتهم للكيد بالشعوب الأخرى وإنتاج أسلحة يتحكمون بها في هذه الشعوب ويهددون غيرها، استخدم بعض أبناء هذه الشعوب عبقريتهم للانتقام من هذه القوى الاستعمارية (بطريقة الكيد العظيم). وهنا وقع الجميع في الخطأ، حيث استخدموا ذكاءهم ومواردهم للفتك بالطرف الآخر، وكأن الجميع يستعجلون فناء كوكب الأرض والحياة عليه. في هذا السياق، يقول الرئيس الأمريكي الراحل جون كينيدي "يجب على البشر أن يضعوا حدا للحروب، وإلا فإن الحروب ستضع حدا (نهاية) لبني البشر". لا نقول هنا بأن السياسة الامريكية تطبيق لهذا القول حيث يتفق الكثيرون بأنها تقوم بعكس ما يتطلبه هذا القول الحكيم.

أود الإشارة والتأكيد هنا على أننا لا ندافع عمَّا يقوم به الإرهابيون أو المتطرفون ولا نقدم لهم العذر على ما يفعلونه من قتل للأبرياء وترويع للآمنين وتشويه لصورة الإسلام والمسلمين وتعريض للعرب والمسلمين في بلاد الغرب للخطر أو المضايقات وتعريض لبلاد المسلمين للتدخلات العسكرية والسياسية من جانب الدول التي يستهدفها الإرهاب. وكذلك لا نتمنى أن تكون "ردة الفعل" مساوية لـ"الفعل" الذي استمر على مدى القرنين الماضيين (على الأقل) في المقدار. فلا نريد أن نُجرِم مثلما أجرم المجرمون فنستحق ما استحقوه من ضلال عن سبيل الله وإثم وعقاب. لذلك؛ فإنَّنا نأمل أن تسعف الحكمة والإيجابية سياسيي وعسكريي الدول النافذة في العالم لكي يدركوا أنه لا مفر من عقاب لأن "لكل فعل ردة فعل"، وذلك حتى يتوقف نزيف الدم في العالم من خلال وضع حد لما يسمى بـ"إرهاب الدولة" وهو ما تقوم به الدول من تدخلات سياسية وعسكرية (بسياساتها وجيوشها وتأثيرها السياسي وتحريك أساطيلها لإرهاب الدول الأخرى وشرائها للأصوات في الهيئات النافذة في العالم وتحركاتها الدبلوماسية ومحاولات إيجاد مسوغات الهجوم على الدول والكيانات السياسية المستقرة وقتل الأبرياء بحجة حماية أمنها) خدمة لأغراض تخص تلك الدول النافذة وتضر ببقية شعوب العالم.

 

* أستاذ اللغويات المساعد - جامعة السلطان قابوس

تعليق عبر الفيس بوك