الإسكان الريفي منحة أم محنة؟! (1- 2)

 

علي المعشني

الإسكان الريفي بمُحافظة ظفار أزمة حقيقية مُشتعلة منذ عقود؛ تسببت في شروخ وفجوات كبيرة وواسعة بين أفراد ومكونات الأسرة الواحدة والمُجتمع معًا بفعل تداعياتها وأعراضها من شكاوى وحساسيات وادعاءات، كما تسببت في المقابل بإجهاد السلطات المحلية وإرباك شعور المواطن بهيبة الدولة في زمن الدولة وثقافتها وعصرها ومفهوم القانون وجدواه والعدالة الاجتماعية، وذلك بفعل غياب الوضوح والشفافية في الاشتراطات والإجراءات والمُعالجات.

وبقيت مشكلة الإسكان الريفي كالجرح المفتوح المُرَّحل من زمن لآخر دون علاج أو حل جذري شافٍ ووافٍ ومنصف للجميع، وبالنتيجة الحتمية المزيد من الخلافات والشحناء والبغضاء بين أفراد المجتمع المحلي، والمزيد من الإحراجات والنزف المجاني لمؤسسات الدولة والمسؤولين بمحافظة ظفار. فالإسكان الريفي أصبح محنة حقيقية وقضية رأي عام تتعاظم وتؤرق وتقض المضاجع يقابلها صمت مطبق وهروب للأمام من قبل الحكومة، على الرغم من أنَّ قضايا الرأي العام في العالم تحشد لها المؤسسات واللجان وفرق العمل لإنهائها ووضع الحلول المناسبة لها في أقصر وقت وبأقل التكاليف، وسميت بقضية رأي عام لأنها تعدت الاهتمام والمصلحة والضرر الفردي لتشغل المُجتمع برمته، ولتصبح قضية يقتات عليها الناس في يومهم ويعتاش منها البعض لإبراز سطوته وحظوته. من هنا فقضايا الرأي العام تٌشكل خطرًا كبيرًا على سلم المجتمع والدولة في حال تجاهلها ويتعاظم هذا الخطر في حال تركها وإهمالها وجعلها ملفاً مفتوحاً لجميع الاحتمالات والأعراض المستقبلية.

من خلال مُتابعتي لسياسات من تعاقبوا على الحكم المحلي بمُحافظة ظفار، أرى أنهم أخفقوا جميعهم في وضع فلسفة للإسكان الريفي، ومع غياب الفلسفة يغيب الهدف وتسود الاجتهادات والفوضى غير الخلاقة لأي شيء في الحياة. بدليل أن جميع الحلول كانت عبارة عن اجتهادات فردية غير مؤسسية وبالتالي من قام بهذا الإجراء لايلزم خلفه به وهكذا بقيت المشكلة تراوح مكانها وتتعاظم، فمسؤول يمنع صرف الانتفاع وآخر يفتح الصرف وتارة يجزأ الصرف وتارة يحتكم للقانون وتارة أخرى للاداعاءات والأعراف وبهذا ضاعت الحلول الجامعة وتشتت الجهود وتبخرت الآمال وخلقنا مشكلة من العدم فأبقينا على المشكلة وهجرنا الحلول.

المتأمل في تفاصيل الإسكان الريفي بعمق لابد أن يتعجَّب، فهو إسكان لايخضع لقانون الإسكان التابع لاختصاصات وزارة الإسكان ولا يخضع لقوانين واشتراطات البناء الخاصة بالبلديات، ولا يخضع لقانون الانتفاع بمدده واشتراطاته رغم أنه إسكان انتفاع وليس حيازة دائمة، ولا يخضع لقانون تخطيط المدن، بل ولا يخضع كلية لمواد لائحة تنظيم الإسكان الريفي (الأمر المحلي) في الصرف وشروط الحيازة، فشخص يصرف له بالفدان وآخر بالكاد (500) متر مربع !! مع حرية عبثية مطلقة في توظيف هذه الحيازة (سكني، زراعي، تجاري، صناعي، سياحي....إلخ)، وفوق كل هذا فتحت الجهات المختصة وشرعت أبوابها وآذانها للشكاوي والبلاغات من المُواطنين الغيابية منها والجهرية بزعم الشفعة والتضرر فانتشرت الثقافة الكيدية والحسد والأحقاد بين الناس لتعطيل مصالح بعضهم البعض رغم أنَّ أغلب تلك البلاغات والشكاوى لا تصنف في سياق الضرر الشخصي المُباشر، كما أن قانون الحسبة أو الدعوى العمومية في تشريعات السلطنة من اختصاصات الادعاء العام فقط ، وفوق كل هذا يؤخذ بشكاوى المواطنين ضد بعضهم بزعم الضرر العام على المجتمع المحلي وتنسف جهود وصلاحيات وهيبة واختصاصات الجهات الرسمية وتعطل معها حقوق ومصالح مواطنين آخرين.

ليس من العقل أو المنطق أن يصرف لمواطن حيازة بعد ترقب ومتابعة وانتظار لسنوات، وبعد مرور المعاملة على جميع المراتب والمراجع الإدارية والإجراءات القانونية من لجان إدارية وفنية وموافقات ولاة ونواب ومساعدين ثم تأتي شكوى مواطن لتنسف كل ذلك، ونعتبر ذلك أمرا طبيعيا ونسكت عليه بزعم جبر خواطر المواطنين !! فكيف يكون جبر خواطر بتكدير خواطر أخرى وتعطيل مصالح وحقوق آخرين وتغييب الدولة ومؤسساتها وتعطيل قوانينها!؟ لم يعد مفهوماً لدي شخصيًا هل هذا الإجراء يدخل في سياق عصر الدولة وبسط ثقافتها وهيبتها أم في سياق احترام الأعراف المجتمعية وتجاوز القوانين وتكريس ثقافة عصر ما قبل الدولة بكل أعراضه ومظاهره؟!

وللحديث بقية...

Ali95312606@gmail.com