السياحة الخريفية.. في تطور أم تراجع؟

د. عبدالله باحجاج

هَل وضعنا السلطنة على المسارات الصحيحة التي تؤدِّي لصناعة سياحة مُتطوِّرة، ومُستدامة، ومسؤولة، وتنافسية؟ التساؤل يطرح الآن من منظورين؛ الأول: كون القطاع السياحي قد أصبح ضمن القطاعات الخمسة التي يُعوَّل عليها في أن تكون بدلا للنفط، وقد سخرت الدولة مواردها المختلفة لصياغة إستراتيجية لهذه الغاية، والثاني: الاستمرار في النمطية المعتادة في كلِّ مواسم الخريف السياحية؛ بحيث وصلت النتيجة الآن إلى ضعف منافستنا السياحية بسبب هذه النمطية.

والسياحة الخريفية سنُقدِّمها هُنا كمؤشِّر على قضية النقلة السياحة المفترضة، والإجابة عن التساؤل نجدها في المنظور الأخير سالف الذكر، أي في النمطية التي أصبحت تُرجعنا إلى الوراء كثيرا، رغم الجهود التي تبذلها أكثر من جهة سياحية، لكنها تظل محتفظة بنمطيتها المتكررة، وإذا ما أنجزت شارعا أو جسرا أو ممرا للمشاة، صنف بأنه تطور سياحي، رغم أن هذا الجسر مثلا قد يحل مشكلة في جزئية مكانية، لكنه في المقابل سيصنع مشكلة أخرى في مكان آخر، لغياب التطور أو الحل الشمولي.

وإذا ما استمررنا على هذا المنوال؛ فالتراجع حتمي، ومؤشراته كثيرة؛ أبرزها عجزنا في  تحويل مقومات السياحة الكثيرة في ظفار إلى مردود اقتصادي ينعكس على خزينة الدولة وعلى المجتمع بصورة مباشرة أو غير المباشرة؛ فالفكر السياحي لم ينفتح حتى الآن على مختلف أنواع السياحة -سيأتي ذكرها لاحقا- وإنما يتفاعل شكليًّا مع الحالة المناخية فقط، وداخل صلالة فقط، رغم أنَّ بقية المحافظات العشر تتمتع بمقومات سياحية، تشكل عوامل جذب سياحية بامتياز رفيع؛ لذلك تظل هذه المحافظات بمعزل عن الظاهرة السياحية الخريفية؛ مما يفقد السياحة الخريفية خاصة والسياحة على مدار السنة مَيْزة التعدد والتنوع المكاني، وميزة الاستمتاع السياحي المتعدد الاغراض، والزائر لهذه الولايات سيلاحظ منذ الوهلة الأولى حجم النقص الملحوظ حتى في بنيتها الأساسية.

وحتى الآن، تُشير الإحصائيات المنشورة إلى تراجع ملحوظ في أعداد السياح والزوار، كما أن أصحاب الشقق والعمارات الفندقية تشتكي منذ بداية خريف 2017 من قلة الطلب، وقد زرنا الكثير من العمارات خلال الثلاثة الأيام الماضية، ووجدناها تنتظر السياح والزوار بقلق الخسائر، بعد أن ضخ أصحابها سيولتهم ومدخراتهم في الاستثمار السياحي.

كما وجدناه -أي القلق- عند المواطنين الذين يترقبون هذا الفصل بقلوبهم، بغية الخروج منه بعائد مالي يساعدهم على استقبال عيد الأضحى المبارك والعودة المدرسية؛ فالكثير من الأسر تلجأ لتأجير منازلها طوال هذا الفصل لتحسين دخلها المالي، وما أحوجهم الآن لمثل هذه المبالغ في ظل الظروف المالية الحرجة بسبب الأزمة النفطية.

فلماذا لم تعمل الجهات السياحية على ضمانة التدفق السياحي لبلادنا، وراهنت على الخريف كترويج لذاته، وجعلت القلق من الخسارة مرتفعة؟ وهل ينبغي الرهان عليها في جعل القطاع السياحي ضمن المصادر البديلة في المدى المنظور.

ومن المثير المدهش في إبداعيات هذه النمطية السنوية: تأخُّر التغطية الإعلامية التي كانت تبدأ مع بداية المهرجان، والآن تأخرت عنه، بعد أنْ أصبحتْ العلاقة بين وسائل الإعلام والبلدية يحكمها عقود مالية وليست المصلحة الوطنية، في وقت كان يفترض أن تبدأ التغطية الإعلامية مع ولادة الخريف المناخية، وهى الأساس، وليس مع بداية المهرجان، وتستمر هذه الولادة بالتدرُّج، كاعتداد بالتحول المناخي، وكتسويق سياحي، وإذا لم يتفاعل إعلامنا الحكومي مع هذا الحدث الاستثنائي من منظور غير ربحي، فمن ينبغي أن يتفاعل معه؟! وسائل الإعلام الخاصة التي جل همها الربح؟!

وكذلك من إبداعاتها: بروز إشكالية عدم المصداقية المجتمعية في بعض الإحصائيات الرسمية المعلنة في بداية الخريف عن عدد السياح والزوار، وهى إشكالية لم تظهر إلا في خريف 2017، فبمجرد أنْ تناولنا هذه الإحصائية في مقالنا الأخير المعنون باسم "خريف 2017.. والمليون سائح"، وَرَد إلينا الكثيرُ من الاستفسارات والملاحظات من فاعلين سياحيين في الميدان؛ فالإحصائية ذكرت أنَّ عدد السياح والزوار خلال السبعة أيام الأولى وصولوا إلى أكثر من 20 ألفا، بارتفاع نسبته 176%، مقارنة بنفس الفترة عن العام الماضي، وحتى المواطنين قد شككوا في هذه الإحصائية، وتساءلوا قائلين: أين هذه الأعداد من الواقع؟

فيما جاءت آخر إحصائية لتؤكد التراجع السياحي فعلا، حيث أوضحت أنَّ عدد سياح وزوار خريف صلالة حتى نهاية 21/7/2017 بلغوا 134029 مقارنة بـ156363 سائحا وزائرا لنفس الفترة من العام الماضي، بمعدل انخفاض وقدره 14.3%، وقد شكلت السياحة الداخلية ما نسبته 60%، والإماراتيون 9.9%، وبقية مواطني دول مجلس التعاون 8.5%.

وعندما بحثنا في قضية التراجع، وفق ما تشير إليه الإحصائية الاخيرة، وجدنا أنَّ ذلك يرجع لحدة التنافس السياحي، وغياب التسويق، فلماذا لم ندخل حلبة التنافس؟ تابعنا عروضَ بعض الدول السياحية، فقد كانت تايلاند مثلا قدمت 100 ألف تذكرة مجانية، ومنها من قدمت تخفيضات للنزلاء تصل إلى 40%، ومنها من حصرت الامتيازات في حزمة متكاملة تشمل التذكرة والإقامة والمعيشة لمدة 8 أيام بمبلغ يتراوح بين 330- 440 ريالا عمانيا، مثل وجهات البوسنة والهرسك وجورجيا، بينما ظللنا مُتمسِّكين بفلسفة "الطبيعة تسوق ذاتها بذاتها"، حتى التغطية الإعلامية قللنا من أهميتها بحجية تلك الفلسفة، والنتيجة؟ التراجع عِوَضا عن التقدُّم.

هذا التراجع ينبغي أن يدفع بنا إلى التغيير فورا، في المنظومة كلها، وفي الرؤية الوطنية للسياحية، بحيث يركز التخطيط السياحي على كل محافظة من محافظات البلاد، فمثلا محافظة ظفار؛ بحيث تكون لها إستراتيجية مستقلة للسياحة ومتكاملة مع بقية المحافظات، تراعي مقوماتها العديدة والمتنوعة لدواعي النهضة السياحية المنشودة، تطلق الإبداع لتحويلها إلى مردود اقتصادي؛ فالسياحة اليوم هى إبداع وابتكار، وليست نمطية وتقليد لأنها باختصار صناعة، وبلادنا -بالمنظومة الراهنة- بعيدة كلَّ البعد عن هذه الصناعة؛ سواء على المستوى الوطني، أو الإقليمي.

وبالتالي؛ لابد من توحيد المؤسسات التي تُعْنَى بالسياحة في ظفار، واختيار منها أو من خارج صندوقها الفاعلين المؤهلين والمتخصصين؛ ففي ظفار -أنموذجا- يمكن صناعة عدة أنواع من السياحة ستجعل منها نشاطا دائما ومتميزا على مدار العام، وفي كلِّ الولايات وليس حصريا على صلالة، فهناك السياحة الخريفية، والسياحة الطبية، والسياحة الثقافية، وسياحة المغامرات، وسياحة المؤتمرات والمعارض، والسياحة البحرية، والسياحة الصحراوية، لن يُقنعنا أي طرح بحجية الممانعة المجتمعية التي يلوح بها البعض؛ فهذه مسؤولية الدولة التي ينبغي أن تفرض أجندتها ومشاريعها مع الأخذ بعين الاعتبار المصالح الفردية المتضرِّرة.

وأخيرا.. لا يُمكن القول بأنَّ هناك إرادة سياحية تنفيذية تتناغم مع توجُّهات الدولة السياحية الجديدة، ولا يُمكن قبول حجية تأخُّر الخريف لتبرير انخفاض الأعداد السياحية، ولن نصلَ بالقطاع السياحي إلى جعله مصدرًا من مصادر الدخل الخمسة البديلة للنفط، إذا كان الفكر التنفيذي وآليات وميكانزمات عمله بتلك النمطية السنوية، في حين كان يفترض أن يكون قد وضعنا قطاع السياحة في بلادنا في المسارات الصحيحة نحو صناعة سياحة متطورة، ومستدامة، ومسؤولة، وتنافسية.

وبالتالي؛ لابد من إعادة النظر سريعا في كامل المنظومة السياحية، إنْ أردنا أن تكون السياحة مصدرًا دائمًا للدخل؛ فهناك مُنافسة عالمية على حصة السياحة العالمية، فحسب توقعات منظمة السياحة العالمية، سيصل عدد السياح إلى 6.1 مليار بحلول 2020، بمعدل نمو سنوي 5%، فكيف ستنافس بلادنا، وقطاعها السياحي خارج المنافسة؟ فهل سنبحث لها عن عقول جديدة؟.. الملف مفتوح.