حيدر بن عبدالرضا اللواتي
بالرغم من الجهود التي تبذلها الجهات المعنية الرسمية ومؤسسات القطاع الخاص للنهوض بقطاع السياحة في البلاد، إلا أننا نحتاج إلى وضع مزيد من الخطط والاستراتيجيات لتمكين هذا القطاع والاستفادة منه بصورة أكبر في المستقبل القريب من أجل توفير مزيد من الأعمال للشباب الباحث عن العمل.
هذا القطاع حيوي للجميع سواء الحكومة أو القطاع الخاص، ويمكن من خلاله توفير آلاف فرص للواطنين الباحثين، ويحتاج هذا الأمر إلى تقديم المزيد من المرونة والتبسيط في التعامل مع الراغبين العمانيين في فتح مؤسساتهم السياحية الفردية وتمكينهم في إدارتها سواء من المنازل أو المقاهي أو أي مكان آخر، لأن الكثير من الخدمات السياحية المطلوبة تمكن توفيرها من خلال القطاعات الصغيرة التي يتطلب السائح الحصول عليها بعد وصوله إلى محطاته النهائية.
وعموماً فإنَّ الكثير من الدول العربية لم تستفد من القطاع السياحي مثلما هو حاصل في العديد من الدول الأجنبية، ولم تصل إلى المستويات التي بلغتها تلك الدول في الاستفادة منها بالصورة المطلوبة وفق التقارير التي تصدر عن المؤسسات السياحية العالمية بهذا الشأن. فهي لا تحتل الى اليوم مراتب أولى عالميًا في السياحة من خلال قياس مجموعة من العوامل والسياسات التي تساهم في بيئة مستدامة ومرنة لقطاع السفر والسياحة، وفي المسيرة التنموية السياحية للدول في العالم.
الأمر الجديد في هذا الشأن هو التوقعات الإيجابية التي يمكن أن يحدث في القطاع السياحي العالمي خلال العام الحالي 2024؛ حيث بدأت دورة التعافي في السياحة العالمية بالكامل الآن من تداعيات جائحة "كوفيد-19"، ومن المتوقع أن يزيد عدد السياح خلال العام الجاري بحسب ما أعلنت عنه منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة؛ سواءً في مجال عدد الرحلات الجوية خاصة بعد تعافي الأسواق الآسيوية التي تشكّل مصدرًا كبيرًا في عدد السياح في العالم أو في عدد السياح.
ومع تعافي الاستقرار الجيوسياسي في الشرق الأوسط ومناطق إقليمية أخرى خاصة بعد التوقف النهائي لحرب طوفان الأقصى على أبناء غزة الصامدة، فإن ذلك سوف يقلل من الأخطار التي ربما تتعرض لها القطاعات السياحية أيضًا. واليوم هناك وجهات سياحية أخرى بدأت في جذب السياحة إليها مثل دول جنوب أوروبا المطلة على البحر المتوسط ومنطقة البحر الكاريبي ودول أمريكا الوسطى وغيرها مُقارنة بفترة "كوفيد 19"؛ حيث وصلت السياحة الدولية بنسبة 88% من مستويات ما قبل الجائحة، فيما تم تقدير عدد المسافرين الدوليين بنحو 1.3 مليار مسافر عام 2023. أما مساهمة قطاع السياحة في الاقتصاد العالمي خلال نفس العام فقد وصلت إلى 3.3 تريليون دولار.
سلطنة عُمان ليست ببعيدة عن هذه التطورات، في الوقت الذي تُبذل فيه جهود كبيرة لتطوير المرافق السياحية وتوفير الخدمات اللازمة لجذب المزيد من السياح من مختلف دول العالم. فالاحصاءات المحلية تشير إلى أن عدد السياح الأجانب إلى البلاد قارب نحو 3.5 مليون سائح في عام 2023 مقابل 2.8 مليون سائح في عام 2022، كما سجلت الإيرادات السياحية زيادة لتصل إلى 1.2 مليار دولار عام 2023 نتيجة لزيادة عدد السياح إلى البلاد.
من جانب آخر، هناك اهتمام متواصل بتغيير الوضع في شركة الطيران العماني التي كان من المفترض أن تؤدي دورًا كبيرًا في عمليات الترويج والتسويق للسياحة إلى عمان، إلّا أن هذه الشركة منذ تأسيسها لم تكن لها سياسة استراتيجية واضحة في عملية التسويق السياحي، والكثير من مجالس إداراتها لم تفكّر في كيفية جذب السياحة إلى البلاد والدخول في مشاريع استثمارية سياحية مجدية تعود بالنفع والفائدة على السياحة والمؤسسات السياحية في البلاد، ناهيك عن الخسائر السنوية التي تلحق بهذه الشركة منذ عدة سنوات.
كل ما نأمل اليوم هو أن تتمكن هذه الشركة من خلال استراتيجيتها الجديدة لعام 2024 من تحقيق النجاحات التي ترمي إليها؛ فهذه الخطة هدفها مواصلة تحسين الأداء المالي والتشغيلي للشركة وإعادة هيكلة شبكة الخطوط وجدول الرحلات وتوقيتها لتكون أكثر ملائمة للمسافرين العمانيين والوافدين والسياح القادمين، والمحافظة على أغلب شبكة الخطوط الحالية التي توقفت عن الطيران خلال الفترة الماضية.
إن سلطنة عُمان ممثلة بوزارة التراث والسياحة تعمل على ترقية هذا القطاع من خلال جذب مزيد من الاستثمارات المطلوبة في البنية الأساسية، ووضعت خطة شاملة لجذب المزيد من السياح والزوار إلى البلاد لاستهداف 11 مليون سائح وزائر سنويًّا بحلول عام 2040، مع العمل على إقامة المزيد من المشاريع السياحية وبالتالي توفير مزيد من فرص العمل للعمانيين في مختلف تلك المشاريع. وهذا ما نأمل تحقيقه خلال العقدين المقبلين.