قابوس منهجا للدبلوماسية والسلام

سَيْف المعمري

تعُمُّ عُماننا العزيزة هذه الأيام الفرحة بالذكرى السابعة والأربعين لميلاد نهضتها المباركة مع إشراقة شمس الثالث والعشرين من يوليو المجيد عام 1970م، مُعلنا عن فجرٍ جديدٍ في بناء الدولة العُمانية، والتي وَعَد فيها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- شعبه الوفي قائلا: "أيها الشعب، سأعمل بأسرع ما يمكن لِجَعْلِكُمْ تعيشون سُّعَدَاءِ لمستقبل أفضل، وعلى كل واحد منكم المساعدة في هذا الواجب. كان وطننا في الماضي ذا شهرة وقوة، وإن عملنا باتحاد وتعاون، فسنعيد ماضينا مرة أخرى، وسيكون لنا المحل المرموق في العالم العربي".

فعلى مُستوى البناء الداخلي تحقَّق ما وَعَد به جلالته شعبه الوفي، فقد استطعنا بالإرادة والعزيمة تخطِّي كل التحديات، وشهدت السلطنة خلال عقود النهضة طفرات نوعية، وعمت مجالات التنمية ربوع الوطن في السهل والجبل، في البادية والمدينة، وحيثما وُجِد الإنسان العُماني، كما يتواصل العمل حاليا على تنفيذ العديد من مشاريع البُنى الأساسية ذات البعد الإستراتيجي، والتي ستُسهم في تعزيز المكانة الاقتصادية والحضارية للسلطنة ونحن على مشارف اكتمال العقد الخامس من عمر نهضتنا المباركة.

وعلى المستوى الخارجي، فقد تبوأت السلطنة مكانة مرموقة، ليس على المستوى الإقليمي فحسب، بل على المستوى الدولي، ولقد جاءت السياسة الخارجية العُمانية في عهد النهضة المباركة مُتناغمة مع البُعد الحضارية لعُمان كقبلة للتعايش والوئام، ونشر الخير والسلام لجميع شعوب المعمورة؛ حيث وضع حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- السياسة الخارجية للسلطنة ضمن مرتكزات بناء الدولة العُمانية، وعبر عن ذلك جلالته قائلا: "أريد أن أنظر إلى خارطة العالم، ولا أجد بلدًا لا تربطه علاقة صداقة بعُمان".

ولقد عزَّزت السياسة الخارجية والدبلوماسية العُمانية مكانة السلطنة على خارطة العالم كدولة مُحبَّة للسلام، وتدعو لنبذ الخلافات والشِّقاق بين الدول، وحل القضايا العالقة بينها بالطرق الدبلوماسية، كما أنَّ رصانة السياسية الخارجية للسلطنة، وعدم تدخلها في الشؤون الداخلية للدول أسهم في تقدير الشعوب والدول والمنظمات الدولية للسلطنة، والذي عبَّر عنه جلالته قائلا: "قد أثبت النهج الذي اتبعناه في سياستنا الخارجية خلال العقود الماضية جدواه وسلامته بتوفيق من الله، ونحن ملتزمون بهذا النهج الذي يقوم على مناصرة الحق والعدل والسلام والأمن والتسامح والمحبة والدعوة لتعاون الدول من أجل توطيد الاستقرار وزيادة النماء والازدهار ومعالجة أسباب التوتر في العلاقات الدولية بحل المشكلات المتفاقمة حلًّا دائماً وعادلاً يُعزِّز التعايش السلمي بين الأمم، ويعود على البشرية جمعاء بالخير العميم".

واعترافاً من المجتمع الدولي بحكمة جلالته، وتقديرا وتثمينا لسياساته ودوره فيما يتَّصل بالعمل على تحقيق وصيانة السلام، فقد تمَّ منح جلالة السلطان قابوس المعظم جائزة السلام الدولي في نسختها الأولى عام 1998م، بعد ترشيح جلالته لنيل الجائزة من قبل عشر جـامعات من أشهر الجـامعات الأمريكية، إضافة إلى عدد كبير من مراكز البحوث والدراسات السياسية والإستراتيجية المشهود لها على امتداد العالم.

كما منح المجلس الهندي للعلاقات الثقافية في العام 2004 جائزة جواهر لآل نهرو للتفاهم الدولي لجلالته؛ تقديرا لجهوده في تعزيز أواصر المودة والصداقة بين الشعوب، ومنحت الجمعية الدولية الروسية جلالته جائزة السلام لعام 2007، اعترافا وتقديرا لجهود جلالته في خدمة السلم والتعاون وفعل الخير على المستوى الدولي.

ولقد سَعَت السلطنة بقيادة جلالته -أعزَّه الله- إلى تقريب وجهات النظر بين مُختلف الأطراف الدولية في القضايا العالقة، وأسهمتْ في تهيئة مناخات الحوار الإيجابي بين العديد منها، ولعل من أهمها جهود السلطنة في  تقريب وجهات النظر بين إيران ومجموعة (5+1) حول الملف النووي الإيراني والتي تكللت -ولله الحمد- بالاتفاق التاريخي في العام 2015م، ولقد حظيت مواقف الدبلوماسية العُمانية باحترام المجتمع الدولي؛ لوقوف السلطنة على مسافة متقاربة بين الجميع.

... إنَّ العالم اليوم بحاجة ملحة لمنهج جديد للعدالة والتعاون والتعايش السلمي، ونبذ الصراعات والمناكفات السياسية، وتغليب لغة الحوار والحكمة، وإن منطق القوة أصبح غير قابل لجلب الخير والسلام لشعوب العالم، ولقد أثبتْ السياسة الخارجية والدبلوماسية التي آمنت بها السلطنة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- جدواها ليعمَّ السلام والأمن العالم بأسره، بل إنَّ الاقتداءَ بالنموذج العُماني أصبح أكثر إلحاحا بعد أن أثبت فعاليته في التعايش والانسجام الداخلي في السلطنة، وتفرُّد عُمان بالسمعة الطيبة بين جميع الدول في العالم، وهو الحلم الذي كان جلالته ينظر إليه بنظرته الثاقبة، وبعد بصيرته، وحريٌّ بالمؤسسات الأكاديمية الدولية أنْ تُضمِّن مُقرَّراتها في المجال الدبلوماسي فكرَ وحكمةَ جلالته ودبلوماسيته المشهود لها من قيادات وشعوب العالم بأنَّها بلسمٌ لتضميد الكثير من جراح ومُعضلات العلاقات الدولية.

وبُوْرِكت الأيادي المخْلِصَة التي تَبْنِي عُمان بصمت...،

[email protected]