إنّ السلام مذهب آمنا به

 

حميد السعيدي

 

ملحمة عُمانية يرسمها العُمانيون بقيادة قائدهم الفذ جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم طوال سبعة وأربعين عاماً من المنجزات الحضارية، التي تكتب عاما بعد عام، تمخَر سفينتهم عُبابَ البَحر رافعة أشرعة الحضارة والتقدم والسلام، منطلقة من تلك الخطوط التي رسمها جلالتها القائمة على نشر السلام والاستقرار والأمن والأمان في ربوع هذه الأرض الخالدة، واستلهامًا لرسالة سامية شَيّد من خلالها أركان الدولة العصرية مواكبة لمعطيات القرن الحادي والعشرين، لترسو في مصاف الدول المتقدمة، وكان العُمانيون عند العهد والولاء في تقديم حبهم وولائهم كرسالة وطنية تزهو بإيمانهم تجاه هذا الوطن، والذي ينبض بالحُب الخالد الذي تتزين به عُمان مفتخرةٌ بنفسها بين الأمم.

سبعة وأربعون عاما مضت كانت هَيْجَاء بالعطاء، ولم تتوقف أو تتوانى عن القيام بواجبها في مسيرة طويلة وشاقة للوصول لمراسي التقدم الذي أراده باني هذه النهضة العظمية، والتي كانت استكمالاً لحضارة ضاربة في عمق التاريخ، وامتدادا لقرون تعود لما قبل الميلاد، إنّه حفيد السلاطين والذي رسم خارطة طريق هذا الوطن، تجسد من خلالها الثقة العميقة والرعاية الدائمة والمتواصلة والتقدير العميق للمواطن العماني، ويقين كامل بأنّ الموارد البشرية تمثل ثروة غالية، بحاجة إلى تأهيلها من أجل المشاركة في عملية البناء؛ وذلك في إطار تنمية شاملة يتمتع بثمارها الطيبة أينما كان على أرض عُمان الخيرة وهو ما يعبر عنه واقع الحياة اليومية للإنسان العماني.

حيث انطلقت النهضة العُمانية على مجموعة من المبادئ الأساسيّة تأتي في مقدمتها الاهتمام بالمواطن العُماني من حيث تعليمه وتثقيفه وصقله وتدريبه ورعايته صحياً، والعمل على تحقيق مظلة السلام الداخلية وبناء علاقات الصداقة مع دول العالم، لذا لا ريب أن تكون عُمان اليوم وجهة الباحثين عن السلام في عالم مليء بالصراعات والخلافات السياسية.

فكانت أولى التحديات التي كانت تواجه الاستقرار الداخلي مع تولي جلالته الحكم هي قضية حرب ظفار في بداية السبعينيات من القرن الماضي، ورغم صعوبة الموقف إلا أنّ الحكمة التي يمتلكها جلالته كانت السبيل في معالجة المشكلة لتصبح ظفار نقطة الانطلاقة للنهضة العُمانية وتكون جزءا فاعلًا في منظومة العمل الوطني، وهنا يتضح عمق الرؤية لدى جلالته في معالجة القضايا المرتبطة بالأمن والاستقرار، فكان طريق السلام هو المنهجيّة التي اتخذها جلالته في التعامل مع القضايا الداخلية والخارجية، وهو النهج الذي انعكس على السياسة الخارجيّة العُمانية في تعاطيها مع القضايا الدولية والعمل على معالجتها، (إنّ سياستنا الخارجية معلومة للجميع فنحن دائما إلى جانب الحق والعدالة والصداقة والسلام وندعو إلى التعايش السلمي بين الأمم وإلى التفاهم بين الحضارات) - من خطاب جلالته عام 2002م. لذا فعُمان تتولى دورا عالمياً في معالجة القضايا السياسية الخارجية من خلال نظرتها المحايدة، واتخاذها للمواقف السياسية بحكمة دون التأثر من طرف آخر، ساعية إلى تحقيق التوافق القائم على المصالحة بين الدول، بالإضافة إلى مساهمتها في إيقاف حدوث أي صراعات مختلفة، في ضوء ما يشهده العالم من صراعات متعددة ما بين الدولية والصراعات الداخلية للدول المضطربة، انطلاقا من إيمانها أنّ الصراعات والحروب لا منتصر فيها فالجميع يخسر كل شيء، فأصبح العالم يبحث عن مخرج لذلك النفق المظلم الذي يخيّم على السلام العالمي.

لذا فقد كان السلام هو الركيزة الأساسية في حكم جلالة السلطان قابوس بن سعيد، فقد خاطبه شعبه، "شعبنا العزيز... إنّ السلام مذهب آمنا به، ومطلب نسعى إلى تحقيقه دون تفريط أو إفراط"، (إنني أريد أن أنظر إلى خارطة العالم ولا أجد بلدًا لا تربطه صداقة بعُمان) لذا كانت العلاقات الخارجية العُمانية تنطلق من مبادئ ثابتة تقوم على احترام الآخرين، وعدم التدخل في شؤونهم الداخلية، والالتزام بالمواثيق الدولية ومبادئ الأمم المتحدة، والمنظمات والهيئات الدولية، وتأسيس نظم للتواصل والتي تنطلق من مبادئ وأهداف سامية، وتسعى دائمًا نحو تحقيق السلام ومعالجة القضايا الدولية، والحيادية في القرارات المتصلة بالعلاقات مع دول العالم المختلفة، مهما كانت الظروف والتحديات، وهذه الاستقلالية بالقرار السياسي العُماني، أعطى عُمان شخصيّة اعتبارية لها مبادئها ومواقفها الثابتة التي لا تتغير.

وهذا النِهج العُماني كان له تأثير أولاً في علاقات عُمان في محيط جوارها والذي انطلق من سياسة الثقة المتبادلة بين الأطراف، بالرغم مما تعرضت له المنطقة من أحداث كبيرة ظلت العلاقات قائمة بين عُمان ودول المجاورة لها، وهنا تترسخ معاني ومبادئ وقيم السلام، كل هذه الاهتمام ينبع من الأهمية العظمى للسلام والاستقرار، حيث يعتبر وسيلة لتحقيق النمو الاقتصادي، وبناء العلاقات بين الشعوب، وتوفير الحياة الكريمة للإنسان، كما يسهم السلام على تطور الحياة البشرية، وعلى القضاء على الخلافات والصراعات التي تقضي على الحياة بصورة العامة، وتنتهك حقوق الإنسان، إلى جانب دور السلام في تحقيق التقارب بين الحضارات، وبناء العلاقات الثقافية وانتشار القيم والاتجاهات الفاضلة، ونظراً لأهميّة السلام فقد كان من أهم أهداف جلالته في تحقيق التعايش السلمي بين جميع شعوب العالم.

لذا فالعُماني يرفعه رأسه دائما مفتخراً بهذا الوطن؛ الذي ظل شامخاً كشموخ رؤوس جبال الحجر العُمانية؛ نابضاً بالقوة والسلام، وراغباً في التعامل السلمي مع كل شعوب العالم، لذا لا ريب أن يحظى العُماني أينما ذهب الترحيب والاستقبال من جميع شعوب العالم، التي تقدم له كل حُب والسلام، هنا تمكن القوة الحقيقية في التعاطي مع هذا العالم، وهذه كانت رسالة جلالة السلطان قابوس في بناء علاقات صداقة مع كل شعوب العالم، لذا فإننا يا مولاي نجدد العهد والولاء بأن نكون مواطنين مخلصين لهذا الوطن، خلف قيادتك الحكيمة والتي أصبحت منارة للسلام والأمن العالمي، فبوركت يا وطني، وبورك ذلك القائد الذي حمل لواء النهضة العُمانية.

Hm.alsaidi2@gmail.com