عُمان تاج على عرش الزمان

 

حمد العلوي

ليست أمنية أن يُقال عُمان تاج على عرش الزمان، فهذا واقع عاشته عُمان آلاف الأعوام، وما زالت ماضية في نهجها العظيم، فذلك شأن يُصنع بالأخلاق والعدل والسلام، وها هو يوم 23 من يوليو يؤتي متمماً عقد عام، فهو يمثل ذكرى نهضتها المباركة الحديثة، وبإتيان هذا اليوم نضيف اللؤلؤة السابعة والأربعين على تاج عرشها المجيد، فتبحر مسيرة نهضتنا بجدارة نحو المستقبل بشموخ يعلو شأنّه الله ربُّ العرش العظيم، فهذه المسيرة تمثل غصنا قويا ينبت طولاً في الشجرة الطيبة التي أصلها ثابتٌ وفرعها في السماء، وعُمان لا تُدين في عنقها بدمٍ لقريب أو بعيد، وإنّما عُمان يُدينُ لها الكون مجتمعاً بالمحبة والود والسلام.

وإذْ نُذكّر هنا الغاوون الضالون أنّ عُمان ستظل محل نُزُل أمن واستقرار ووفاء، وأن الذين يتمنّون لها - حسداً منهم - أن تكون عُمان بعرة في ذيل بعير، أو مفردة ضمن قطيع من الخراف، تسير خلف كلب لراع ضال حتماً لن تقبل هذا المصير، فمن كان قائداً يأبى أن يكون مقوداً لأن ذلك أمرٌ مقلوب، فيأبى تاريخها أن تكون كما يشاؤون، فنقول لهم ساء ما تظنون، وما تمنّون به أنفسكم زوراً وبهتاناً من ضرر على عُمان، فقد خيّب الله مسعى الظالمين، وستظل تلك الخيبة من نصيب الشانئين، وعُمان كما كان دأبها من قبل عبر السنين الماضية، تفعل المجد الرفيع وتُحجم عن الكلام البذيء، ليس فيه مداراة لمبغض وضيع، وأنّما احتراماً لذاتها وتاريخها الحضاري العتيد، فمن شيم العظماء الترفّع عن القول الرخيص الذي لا يليق.

ونقول عذراً لمن فاتته معرفة التاريخ العُماني عن غير قصد، فقد سجل التاريخ بمداد لا تمحوه الرياح بأنّ عُمان كانت نداً لملوك كِسرى، وكذلك قياصرة الروم العتاة، يوم كان بعض العرب يقطعون الطرق لكسب قوت يومهم، ولكن إذا أخذت عُمان غفوة في قيلولة من ظهيرة الزمن القريب، فإنّ ذلك لا يمحو مجدها التليد، وخُصماء الماضي تعج مكتباتهم بمآثر عُمان العظيمة، وقد دونوا في التاريخ وحفظوه في أراشيفهم لتحذير الآتين من بعدهم، بأن ّعرين الأُسد "عُمان" أبداً لا يلين لقوى الظلم المبين، ولكن لا عُذر لمن أزمع التجاهل عن عين الشمس، وإن الضلالة حتماً ستعمي بصيرة الجاحدين، وأن الظالمين لهم يوم عبوس قمطرير، لأنّ الله يُمهل السائرين بالفساد في الأرض، وأنّ وعده غير مكذوب، بهذه العبارة توعَّد الظالمين الغافلين بسوء المآل وسوء المصير.

وليس صحيحاً أنّ التاريخ يُعيد نفسه، بل الصحيح أنّ التاريخ يُنسج ويصنع بسواعد الرجال، وهو موصول بما قبله وهو أصله الرصين، ونحن في عُمان نرفع البناء على أساس صلب سليم، وذلك بعمق ساس جاوز عشرات الآلاف من السنين، يشهد لنا التاريخ بالعزة والمجد العظيم، وإنّ النسيج الأصيل القوي لا يقبل رتقاً من فراغ، وإننا كعُمانيين سنظل سائرين إلى العُلا دون التفاتة إلى الوراء، لأننا واثقون من ذلك الوراء بأنه قوي متين، فلهُ دهليز عميق بالفخر والأمجاد، فيكفي عُمان وشعبها شهادة سيّد الثقلين، بأننا أصحاب كرم وخلق عظيم، ليس في تاريخنا نقطة واحدة سوداء تبهتنا بعد أن أتانا اليقين، فكل إرثنا في سنا العلياء يعلو فخاراً واعتزازاً بحسن الصنيع، فقد عشقنا العمل بالعقل الراجح، فلا تعلقاً بزيغ من هوى النفس لنا يُشين، ونحن "أهل عُمان" لسنا كالذين يسرقون في الليلة الظلماء تاريخاً ليس لهم، فذلك كما يفعل بعض الادعياء، حين يتسلّقون على أكتاف العمالقة، طمعاً بأن يبينوا عالياً وهم في الدرك الوضيع.

لقد بشمت بطون الكتب تسجيلاً لأفضالنا على العالمين، موسوعة عدلاً وانصافاً من الشهامة والرجولة بما لا يُحصى، فسل البصرة وسقطرى وضفاف الخليج، وسل في العلم عن ابن ماجد والمهلب والفراهيدي وغيرهم كثر أولئك العلماء، لقد أشبعنا أمة العُرب من الكرامة والشهامة والعزة، بفضل مِنّ الله علينا لا مِنة ولا ذرة جفاء، فكنَّا للعُرب نجدة لهم لا عليهم، فكان زادنا في ذلك اتِّباع تاريخ الرجال الأماجد، لهم القدح المُعلى من سادة العُرب لا بغزل الهواء، وقد رسمنا في الكون بالشجاعة شهامة كخير زاد يوقد في كوكب دري لم يلمسه مس غبار أو تعفر بالهواء، لذلك ومذ الخليقة الأولى ومروراً بعصر الإسلام، والأمّة العُمانية تتميز على غيرها، بالترفّع عن الصغائر في المجد عالياً، ومهما صفّق الأشرار في صحائف الكذب بتلفيق ومحض اختلاق، ومن خلال قنوات الهدم والبلاء، بأخبار كائدة كاذبة حاسدة تغرد شراً في مكاتب النحس المظلمة؛ فليس لها من قرار ولا مكان، ومهما كذبوا فلن يجدوا عِدلا يساوي بحملهم حتى لا يقع، وحتماً الميل سيوقعه في جرف هار بالمنافقين شرَّ موقعة، ثم إننا ما زلنا نقول ألا من ناصح لزمرة الكذب حتى يكفوا عن غيّهم؟ إنّ هذا الكذب قد أضحى من المصداقية مجرد هُراء، فلا يشفع للإنسان إلا صدق القول والعمل ليرفع الله عنه البلاء.

أن عُمان برجالها ترقى الثريا، أو ما يعلوها من الأنجم، بقيادة سيّدٌ شهمٌ عظيمٌ سَمَا في العلياء كنجم سهيل إذا سطع، يُرشد بضوئه الضّالين في دُجى الليل السقيم المرّعد، ذاك ضياء قابوس للخير وبالخير أضاء، يا سعد من اقتدى بفكره النيّر، فستجده بإذن الله عن الشِّر قد نأى، يهدي القوم بالحكمة إلى الطريق السوي، بمخافة الله والإيمان به يشعل قدوة تبعد المرء عن الضلالة والغوى، فعلى مدى سبعة وأربعين عاماً سار بعُمان من نصر إلى نصر بفضل من الله مُكرماً، ليت المحدثين يعودون لرشدهم، ويقلدون من بصهوة المجد ظل سيّداً، فينقذ الغريق من مستنقعات الوحل إلى بر الأمان والتقى، ولو هؤلاء حبُّوا النجاة من الفناء لأتبعوا الرشد تمسكاً بالهدى، ولكن هيهات هيهات أن ينجو من سكن بعقله الغباء والغفلة.

نعم يا عُمان المجد هذه 23 من يوليو، تأتي كالفجر المُبتسم، بوقار الزهد لا عن تكبّر أجوف، وكان حق لها أي "عُمان" أن تُقهقه بالضحك فرحاً، ذلك بلقيا السعد كالربيع يزهر في دهرنا العُماني المعظم، فقد استمسكت عُمان بالعروة الوثقى بُعداً عن الهوى، والتزم شعبها طاعة الله ورسوله، وألزم نفسه ما فرضه القرآن عليه، وهدي سنة نبيه الكريم، ولهم من خلق الدين الحنيف شريعة ومنهجاً، لا يقبلون الظلم على النفس، ولا يظلمون أحداً من غيرهم أبداً، وسيظل الجار القريب له منهم الحسنى دائماً وأبداً، وكذا البعيد له عليهم ما يحبونه لأنفسهم.. حفظ الله عُمان بالخير العميم، وأعزّ سلطانها الشهم الكريم مؤيداً بنصره تعالى، وكل عام والجميع في تقدم وازدهار وعزة ورخاء.