د. عبدالله باحجاج
اعتادتْ الكثيرُ من الأسر العُمانية في محافظة ظفار على التخييم في فصل الخريف سنويا، وتعتبر السهول في إتين والسعادة وآشور ومرباط والمغسيل..إلخ كمتنفس لها، توثق أوتاد خيامها فيها مع بداية كل فصل للخريف، استمتاعا بالمناخ وبجمال الطبيعة الخضراء، وبالأجواء العائلية في المخيمات، وقد أخذت هذه الظاهرة تتزايد مؤخرا بعد أن وجدت فيها الأسر فوائد عديدة؛ من بينها: جمع أفرادها، وحفظ أبنائها من انزلاقات ومنحنيات العطلة الصيفية الطويلة.
وما كان ينقص هذه العادة السنوية الطيبة سوى التنظيم ووضع ضوابط دائمة تحافظ على ملكية الأراضي للدولة، وحل مشاكل المظهر العام للمخيمات، وتأثير التخييم على البيئة، بسبب عدم وجود صرف صحي، وقد تناولنا في خريف 2016، تأثير التخييم في سهل إتين على خزان المياه الجوفية القابعة فوقه، خاصة وأنَّ هناك دراسات تحذر من المخلفات البشرية على الخزان المالي.
وقد ظهر لنا منذ السنوات الأربعة الأخيرة، منافسة شخصيات معنوية عامة، طبيعية، كمسؤولين كبار، واعتبارية كشركات حكومية وعمومية، الأسر في التخييم داخل سهل إتين على وجه التحديد، وارتفعت وتيرتها -أي المنافسة- إلى أن وصلت في خريفنا الحالي 2017، إلى ظاهرة لافتة، تثير مجموعة من التساؤلات التي تهم المصلحة العامة؛ أبرزها:
- لماذا تلجأ بعض الوزارات والشركات الحكومية إلى التخييم في إتين؟
- كيف نفسِّر تنافسها في تجهيز المخيمات بالجودة والمواصفات التنافسية؟
- أين تداعيات الأزمة المالية على هذه الوزارات والشركات؟
- ماذا يعني منح كبار المسؤولين رخصة رسمية لإقامة تخييم دائم باسمها، وبمساحات كبيرة؟
- هل يحقُّ لبقية الأسر التي اعتادت ولسنوات طويلة التخييم في إتين، المطالبة بالمعاملة بالمثل؟
- ما هو تأثير هذه المخيمات على مخاوف تلوث المخزون المائي الجوفي لصلالة؟
تساؤلات.. كل واحدة منها تصلح لمقال في حد ذاتها، ففي كل تساؤل منها، يطرح قضايا كبيرة، لكننا سنركز هنا على ظاهرة منح الشخصيات المعنوية العامة رخصة حق استخدام مساحات كبيرة من الأراضي داخل هذا السهل بصورة دائمة أو كحق ثابت في منافسة لحق الأسر البسيطة في التخييم، وهذه البساطة تتجلَّى في ماهية المخيمات ومساحتها؛ مما يظهر تناقضا سافرا في أوضاعها، تكريسا لما قد نشاهده داخل المدن، وكذلك الدوافع التي وراء إقبال شركات حكومية على التخييم في اتين.
في خريف 2017 الحالي، رصدنا تسابقا مثيرا بين وزارات وشركات حكومية على التخييم في إتين، وإظهار مخيماتها أفضل من غيرها -شكلا ورفاهية- في مشهد لا يعكس أن بلادنا تمر بظرفية مالية يدفع ثمنها المواطن البسيط فقط، كما يعطي لنا الانطباع على توافرها على سيولة مالية تنفقها على جوانبها الترفيهية، وهذا يزيد من إحباط المواطن الداخلي، فترقياته متوفقة منذ عام 2010، وأبناؤه ينتظرون رفع الحظر عن التوظيف بقلق مرتفع، والأسر تترقب الضرائب المقبلة بحسابات مختلفة، وهذه الشركات والوزارات تنفق الأموال العامة على بند الترفيه.
هكذا ينظُر المواطن لظاهرة تخييم الوزارات والشركات الحكومية في إتين.. وهكذا تبدو له المفارقة، وزادتها اختلالا عملية تحويل الأرض من العام إلى الخاص للشخصيات المعنوية العامة، بأساليب التوائية تُضفي عليها الإجراءات الرسمية الصفة القانونية، قضية مثيرة للجدل فعلا، لا يمكن توصيفها إلا بوصف ابتلاع أراضي الدولة.
وكل من يزور سهل إتين قبيل الخريف، وقد زارتها قمة سلطتنا المحلية في العاشر من يوليو الحالي، سوف يُلاحظ منذ الوهلة الأولى عمليات تسوية الأرض بالمعدات، وشق طرق ترابية إليها، في قضاء تام وأبدي على المسطحات الخضراء الجميلة في السهل؛ فمن يدافع عن البيئة الإقليمية؟ كما سيُلاحظ الزائر بناء مرافق صحية وسكنية ثابتة ودائمة داخل المخيمات، بينما هذا خط أحمر على الأسر والعائلات رغم أنها الأقدم في التخييم دون غيرها.. ما هذه الازدواجية في التعامل رغم تساوي الحقوق بين المواطنين؟
يَبْدُو أنَّ قوة النفوذ والمتنفذين هنا واضحة تماما، وليست خافية تماما عن الرأي العام المحلي، فكما صرخ قبلي زميلا، وصرخنا قديما، سنصرخ الآن بصوت مرتفع: وداعا سهل إتين، فلم يعد حقا سياحيا عاما، وإنما ملكيات خاصة؛ سواء بصك مكتوب أو بوضع اليد، ولم يعد فضاء ممتعا للنظر، وإنما أصبح مثل المدن بعد غزو الساكنة إليه وبالإجراءات الالتوائية نفسها، بل أسوأها؛ فالسهل يصنف ضمن السكن الريفي رغم أنه لا يفصل عن المدينة سوى شارع المطار فقط، لذلك، فهو لا يشمله التخطيط العمراني، ويفتقر كذلك للصرف الصحي، ويوزع اجتهادا من اعتبارات ذاتية للسلطة المحلية، ويمكن مشاهدة المباني على امتداده، كما تشاهد الشيء نفسه داخل المدن.
فعلا.. وداعا لهذا المزار السياحي الذي يقصده كذلك السياح والزوار للارتماء في أحضان طبيعته، بكل مشاهدها ومشاهداتها، وللاستفادة من خدمات المطاعم والمرافق السياحية فيه، يتحول هذا السهل الرائع إلى محميات خاصة تخصص لشخصيات دون غيرها، فمن يرد لنا السهل؟ وكيف يكون حقا سياحيا خالصا؟ وهنا نتوجه لقمة السلطة المحلية في محافظة ظفار بالتساؤل التالي: هل هذه هي الضوابط التي وعدتم بها لتنظيم التخييم في سهل إتين؟ إنه يتم ابتلاعه عبر أسماك كبيرة، سهل إتين أمانة في أيديكم، فحافظوا عليه للأجيال.