أصيح بالخليج!

 

هلال بن سالم الزيدي

 أرادت الكلمة أن تعبر إلى الحد الآخر لتكسر حدة الصمت الذي يُطبق على أنفاسنا من هول ما يدور في المنطقة من أحداث مسيسة، ساسها الساسة الذين يرون ما لا نراه وبتنبأون بما لا يُمكننا أن نعيه، فلربما نحن نرى منتصف الطريق، وهناك ما يغمُّ علينا في ذلك المسار الذي كوّن اللحمة الإنسانية على مر العصور، فالكلمة هي من يدفعني إلى "الغوص" في لجج الحديث عما يدور في منطقتنا الخليجية التي تأسسنا عليها تحت كيان "خليجنا واحد"، تأتيني الأصوات من كل حدب وصوب "تصيح بالخليج" لاقتبس من "السياب" تلك الأنشودة التي تغوص في أعماق الخليج المُمتد بمحاره ولآلئه، وذهبه الأسود الذي شارف على النفاد..  "أصيح بالخليج يا خليج .. يا واهب اللؤلؤ والمحار والردى! فيرجع الصدى.. كأنه النشيج: يا خليج يا واهب المحار والردى ... نعم إنّه الأنين الذي يشتد مع أمواج الخليج فيصبح اللؤلؤ قاتمًا، وتتهاوى الأشرعة جراء العواصف والرعود، فتنكس النخيل رؤسها، ليس من جوع يناوشها، وإنما من فرقة يصاغ مدادها حتى تتهشم تلك اللحمة في زمن نحتاج فيه إلى شد المئزر للوقوف صفًا واحدًا.

وبوفرة الغلال تشبع الغربان ويسرح الجراد لينهي موسم الحصاد.. ويطبق الحصار أصفاده على مواطن الإنسان، فتعلو الأصوات، يا خليج .. يا خليج: لا يُمكن أن نكون أضحية تنتصر عندها مبادئ السياسة.. نحتاج إلى توافق يلم شمل الأمة التي تتهاوى في مهاوي الردى.. أيها الخليج: لا تجعل صدى نداءنا يتردد كأنه النشيج.. لا نريد نشيجا بل نشيدا.. فما رأيناه يكفي.. وما تحسسناه من نكبات وقضايا هشمّت الواقع لم تعد تدفع الغيوم لكي تنهمر ويعلو صوت المطر.. أيها الخليج نريد وابل المطر لا وابل التهديد والوعيد، وأزيز الرصاص المرير.. لأنَّ كل قطرة من المطر تعلن عن مبسم جديد.. يا خليجنا السعيد نحمل حبنا في رايتنا بالشموخ والتسامح، لا بقعقعة الحديد، إنه الجسد الواحد الذي يتداعى سائر الأعضاء فيه من شوكة تقض مضجعه لينهض من جديد.

يا خليج التآلف والتماسك: الكل متضرع رافع كفوفه من أجل أن تكون تلك سحابة بيضاء لا تمطر في حقولنا لأنها ستتلفها وتكلفها بناء عقود من الزمن.. يا خليج: أما تتحسس القلوع وهي تمخر العباب؟ باحثة عن الحياة.. يا خليجنا لم الأنين في وقت السحر والبحر يقذف الأمواج لتتكسر على شواطئ الحب.. يا خليج المودة: علينا أن ننهي مشهد العواصف، لأنها عاتية وتنذر بشؤم كبير.. فكم نحن بحاجة إلى تجانس وتماسك أكثر من أيّ وقت مضى؟ يا خليجنا: ألا تتحسس أرواحنا تهفو حباً في ثراك؟ يا خليجنا إننا نرى انعكاس أقمارك "الستة" ترقص على صفحاتك كأنها الصباح عندما يشد رحاله إلى لملمة الشتات.

أيها الخليج: إننا نرى قبسك يسمو في جنح الظلام فيُبدد العتمة بحنكة وحكمة.. يا خليجنا نريد أن نحتفي ونتزود بزاد الكرم وخير العطاء.. كأنني أرى تاجك مرصعاً باللؤلؤ شامخاً لا تكسره الأمواج المفتعلة فلديك كاسرات تتشظى عندها الدسائس.. يا خليج: لا نريد أن نرى في عينيك الوهن، لأنها دائماً باسمة شفافة حاضنة لكل الجياع والعراة، يا خليجنا إننا متيقنين بأنَّ الدماء لا تراق في تربتك.. فالطُهر من سماتك وأنت تقف شامخاً مهما كانت رياح التفرقة تشن في جنباتك.. أيها الخليج: لا يبتسم الوليد انفعالا، وإنما يقهق في كل "قطر" من جسدك الممرد والمتمرد على حوادث الزمان والفرقة.

يا خليجنا إنه الميلاد والضياء لا الموت والظلام.. فالمجداف يرج الموج ويشق سكون البحر بمده وجزره.. فيشتد الجسد وتتماسك الأيادي حتى نجابه شرور الآخرين.. يا خليجنا نستفيق ملء أرواحنا رعشة السلام لا عبث البكاء حتى نسير في جنح الظلام على ضوء أقمارك التي تسمو حتى مع شروق الشمس أو حلول الشتاء.. يا خليجنا إن أطفالنا لا يخافون من ضوء القمر، وإنما يهابون دسائس القطيعة والمكر.. يا خليج: دع العصافير تدغدغ صمت الشجر لتثير الكروم والنخيل على امتداد البصر.. نعم إننا نستسقي في صلاتنا لنطلب المطر ليروى عطش الأمة إذا انهمر.. يا خليجنا: المساء في تثاؤبه نذير نخاف منه.. لأنه مرهق من فرط الشتات، والغيوم لم تعد تكفي لتروي عطش البشر.. يا خليج: لملم شتاتك ووحد صلاتك لأن سماتك هي الوحدة والتعاون لا التهشم والاندثار.. "أصيح بالخليج .. فيرجع الصدى" لا أريد للصدى أن يتردد، أريد استجابة لندائي كنخوة العربي التي تبدد الصمت لتخضر الفيافي والسهول.. يا خليجنا: إنه النداء .. إنه النداء.

يا خليجنا لا نريد أن يستفيق الطفل مذعورًا ليبحث عن أمه التي فقدها منذ أعوام في تلك البلدان.. ولا نُريد أن يلج في السؤال والتذلل في الطلب لنجيبه بعودتها حتى وإن صار البناء حطاماً.. يا خليجنا: أطفالنا لا يتهامسون من نومة اللحود وإنما يعزفون لحن الحياة في كل بقعة من هذا الوجود.. أصيح بالخليج يا خليجنا الفتي إنه الخليج واهب الحياة .. واهب الحياة.

همسة:

أيها الخليج ستبقى مضربا للوحدة.. ومنبعا للحمة الخليجية.. وما تلك الحوادث إلا سحابة بددتها شموس الشموخ من أجل الحياة.

 

كاتبٌ وإعلامي

abuzaidi2007@hotmail.com