مبروك.. ربحت 20 ألف ريال!

طالب المقبالي

ملَّت أسماعُنا من هذه الأسطوانة التي مرَّت على البعض مرور الكرام واعتبروها مزحة غبية، فيما انطلتْ على البعض فغرَّه عذب الحديث والإغراء من المتصل الذي يتحدث الإنجليزية بطلاقة، أو اللغة العربية "المكسرة" المتداولة بين العمالة الآسيوية.

فقبل أيام من إعلان القبض على عِصَابة الاحتيال عبر الهاتف في ولاية بركاء بمحافظة جنوب الباطنة، كانتْ ابنتي إحدى الضحايا التي تعاملت مع المتصل بذكاء. اتصل أحدهم وسلَّم عليها باسمها، قائلاً: "مبروك، لقد ربحتِ 20 ألف ريال من شركة اتصالات محلية، حدَّدت بنكا محليا كحساب خاص لتحويل الجائزة". وقال لها: "الحمد لله، أنتِ محظوظة جدًّا، فقط أطلب منك بعض البيانات التي على ضَوْئِها سنحول لك المبلغ على حسابك فوراً".

في البداية اندهشت من ذكره اسمها، وكأنه استهدفها في مَشْهَد لا يدع مجالاً للشك، وازدادتْ دهشتها عندما أرسل لها رسالة نصية عبر مركز الرسائل الخاص بالبنك والتي تَرِد إليها كل العمليات التي تقوم بها من حسابها، تحتوي الرسالة على جملة غير مفهومة نصها: (Please enter the One Time PIN 2017 to complete registration).

في مركز الاتصالات بالبنك سألوها عن هذه الرسالة التي تحوي عبارة (One Time)، وكأنها رسالة الطُّعم التي يتلقاها الضحايا؛ كونها من نفس مصدر رسائل البنك. إلا أنها بدأت تشكُّ في الأمر بعد أن طلب منها الرقم السري والكود المدوَّن خلف البطاقة والمكوَّن من ثلاثة أرقام، فأبلغته بأنَّ هذا الكلام غير صحيح، وقالت له بأنك مُحتال وكذَّاب.. حينها أقسم بالله أنَّه مسلم، فقام بنطق الشهادتين، ويحمد الله على فوزها ويدعو الله، ويتمتم بكلمات فيها ذكر الله كي تُصدِّقه، وقال لها لا تضيعي الوقت.

الرجل صُدِم، وتلعثم في الكلام، بعد أن قالتْ له: "لا تتعب حالك، فأنت ضللت الطريق، أنا طالبة وحسابي لا يوجد به سوى ريال واحد". كما صدمته حين قالت له: "أنت تطلب الرَّقم السري والكود؛ مما يدل على أنك محتال وحرامي، وصوتك مُسجَّل وسأبلغ الشرطة عليك". وكان الحوار باللغة الإنجليزية وشيء من العربية المكسرة.

ابنتي ذهبتْ عقب المحادثة إلى فرع البنك وأبلغتهم بالقصة، فقالوا لها لقد أحسنتِ التصرُّف، وقد طلبوا منها تغيير بطاقة السحب الخاصة بها طالما تعرَّف عليها هؤلاء اللصوص. وكان على أحد كراسي المراجعين عامل آسيوي مسكين يبكي بكاءً حارًّا؛ حيث وَقَع للتو ضحية الاحتيال وسُحِبَت كلُّ مُدخراته، وأخبروها بأنَّ هذا العامل أحد الضحايا، ولم يُحسِن التصرُّف؛ وبالتالي تمَّ سحب كامل رصيده.

فهؤلاء المحتالون نشطون عبر البريد الإلكتروني أيضا بإرسال رسائل بربح الملايين من جمعيات خيرية، وأشهرها جمعية الأمير الوليد بن طلال، ففي اليوم الواحد أتلقى شخصيًّا أكثر من خمس رسائل بريد إلكتروني، وقُمت بحظر العشرات من هذه الرسائل، كما قُمت بالإبلاغ عنها كرسائل احتيالية عبر الزاوية التي وفَّرها مُزوِّد البريد الإلكتروني للإبلاغ عن مثل هذه الرسائل المشبوهة.

كذلك هناك طلبات صداقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي من فتيات تتسمَّى بشخصيات مشهورة ومعروفة؛ فتصطاد ضحاياها بإغراءات جنسية لتبتزهم فيما بعد.

ولا يفوتني في هذا المقام أنْ أشكُرَ حُمَاة الحقِّ، حُرَّاس المبادئ بشرطة محافظة جنوب الباطنة، الذين تمكنوا من القبض على عشرة متهمين من المحتالين عبر الهاتف من جنسية آسيوية، الأسبوع الماضي، في ولاية بركاء؛ حيث تمت عملية الضبط بتنسيق مشترك بين إدارة التحريات والتحقيقات الجنائية بقيادة شرطة محافظة جنوب الباطنة وإدارة مكافحة الجريمة بالإدارة العامة للتحريات والتحقيقات الجنائية.

وقد دَعَتْ الشرطة -عبر وسائل الإعلام المختلفة- إلى ضرورة أخذ الحيطة والحذر من الوقوع في فخ الاحتيال بمختلف أساليبه، وعدم التعامل مع المكالمات المشبوهة، وضرورة اتباع الطرق الآمنة أثناء التعامل مع التقنية الحديثة، وتجاهل الرسائل الواردة غير الموثوق بها والتي تَرِد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما حثَّت الجميع على التأكد من صحة الرسائل الإلكترونية المرسلة إليهم في المعاملات البنكية لضمان سلامة الإجراءات، كما حثت على اللجوء للمواقع الرسمية الموثوق بها أثناء إجراء عمليات البيع والشراء، والمسارعة في إبلاغ شرطة عُمان السلطانية فور التعرض لمحاولة الاحتيال بهدف التعامل الفوري مع الواقعة وفق الإجراءات المتبعة، وكذلك مساعدة المجني عليه وتعريفه بالأسلوب الناجع للتخلص من المشكلة.

وهنا.. أودُّ أن أبيِّن للجهات الأمنية ولإدارة البنك احتماليْن وراء إرسال رسالة نصية عبر مركز الرسائل النصية للبنك؛ الاحتمال الأول: اختراق نظام البنك الإلكتروني، أو تواطؤ المحتالين مع نظرائهم من العاملين في البنك. وإلا كيف يُمكِنهم إرسال رسالة نصية من نفس الرقم الذي تَصِل للعميل رسائل بكلِّ العمليات التي يجريها من حسابه.

muqbali@hotmail.com