الوحدة الخليجية في مهبِّ الريح

 

حميد السعيدي

العالم الذي نعيش فيه قائمٌ على المصالح الاقتصادية بالدرجة الأولى، وكلُّ ما يحدث في هذا العالم من صراعات وحروب، مَنْهَجُه الأساسي تحقيق المآرب الاقتصادية والحصول على الموارد المالية؛ فخلال القرن الماضي استعمرَ الغربُ العديدَ من دول العالم، وعمل على نهب موارده واستغلال شعوبه واستعبادهم، ولم تنجُ الشعوب من ويلات الاستعمار والقتل والإرهاب، ومن أكثر القارات تعرُّضا للاستعمار والاستغلال هي القارة الإفريقية، والتي كانت تُعتبر من أغنى القارات من حيث الموارد، لتصبح اليوم من أفقر القارات بعدما نهبت مواردها.

فكانتْ منهجية المستعمر قائمة على التكتلات وتقسيم العالم على مناطق تتوزع بين عدد من القوى العالمية، هذه القوى كانت تتبادل الأدوار والمصالح وفقا لأيديولوجياتها السياسية، إلا أنَّ صُعود قوى عالمية كالاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، وتصادم المصالح بينهم جعل الصراع بينهم يقوم على الوصول لمناطق الثروات ومنابع النفط في منتصف القرن الماضي؛ لذا أصبحت منطقة الخليج العربي هي منطقة الصراع بين هذه القوى، وسعى الجميع للحفاظ على هذه المنطقة الإستراتيجية والمهمة؛ لأن الجميع كان يرغب في استمرار امتدادات النفط للعالم، والبعض كان يرغب للحصول على نصيبه من هذه الثروات دون أن يبذل جهداً في ذلك؛ لذا كان معظم الصراعات يتَّجه نحو مناطق الجوار بدول الخليج؛ فشهدت هذه المنطقة حربيْن على فترات متقاربة، وهي حرب الخليج الأولى والثانية، واستمرت منطقة الخليج منطقة تعاني من عدم الاستقرار، حتى وصلت الحال بها اليوم إلى أنها منطقة مضطربة بصورة مستمرة، خاصة وأنَّ ما يحدث بجوارها هو شبيه بفكر نظرية الفوضى الخلاقة؛ حيث أصبحت المناطق المجاورة لدول الخليج تعاني من الفوضى والصراعات، وتنتشر فيها الجماعات الإرهابية، وهي مناطق غير آمنة حتى على المدى البعيد؛ مما يدفع دول الخليج العربي إلى توجيه أموالهم نحو حماية أمنها واستقراراها في بيئة مضطربة، وفي مقابل استمرار امتدادات النفط، وما يلاحظ اليوم أن معظم حدود الخليج العربي هي مناطق مشتغله بالحروب والصراعات.

لذا؛ فدول الخليج تعمل من أجل حماية أمنها، على دفع مبالغ كبيرة أو شراء أسلحة من أجل تحقيق الأمن الخارجي، وهذا يستنزف ميزانيتها التي تتجه فقط نحو الجانب العسكري، ومعظم هذه الأموال تتجه للدول العظمى وشركات السلاح، وهذا الأمر يؤثر على البنية الأساسية لدول الخليج، وعلى الإنفاق على مجال التعليم والابتكار، فيظل الاهتمام فقط بالأمن والاستقرار، وهذا مطلبٌ أساسيٌّ لابد من تحقيقه حتى لو كان على حساب الكثير من الجوانب الأخرى.

وفي ظل هذه الأجواء المضطربة بالصراعات، تجد أنَّ هناك توجُّها خفيًّا تديره مجموعة من شبكات الإعلام، وتسعى لتقويض الوحدة الخليجية، وافتعال الصراعات والاختلافات بين دول الخليج العربي. هذه المنظومة التي ظلت طوال السنوات الماضية صامدة أمام العديد من التحديات، إلا أنها اليوم تعاني من العديد من التحديات التي تأتي في سياق المصالح الإستراتيجية؛ الأمر الذي قد يضرُّ كثيراً على المدى البعيد بالعلاقات القائمة بين شعوب المنطقة، والتي تعاملتْ طوال تاريخها على مبدأ الأخوة والتسامح والتعاون، مستفيدة من مقومات الوحدة الخليجية.

لذا؛ فإنَّ العملَ على إيجاد الحلول يجب أن يتم في إطار تفعيل منظومة مجلس التعاون الخليجي، كمنظومة قائمة على الوحدة بين أبناء شعب الخليج، خاصة وأنَّ كل المقومات مُؤهِّلة لأن يُصبح هذا التكتل السياسي من أقوى التكتلات السياسية والاقتصادية؛ وذلك لعدة عوامل تجعل منه منطقة ذات أهمية إستراتيجية على مستوى العالم، خاصة وأنَّ هذه المنطقة الصغيرة تمتلك نصف ثروات العالم، ولكن ما يحدث اليوم من شأن داخلي بين دول الخليج العربي يحتاج استخدامَ المنطق والحوار البناء، أمَّا ترك المجال للإعلام المغرض والذي بدأ يتلاعب بأمن المنطقة وشعوبها، فهذا الأمر يدعونا للمطالبة بميثاق الشرف الإعلامي الخليجي، الذي يضع مجموعة من الضوابط التي يُفترض أن تقوم على الوحدة الخليجية، دون التدخل في القضايا التي قد تتسبَّب في اتساع الفجوة بين دول الخليج؛ فالخاسرون هم أبناء الخليج فقط. أما مزامير الفتنة التي تظهر على القنوات الإعلامية، فهذه مدفوعة الثمن وتتلقى توجيهات لإثارة الفوضى داخل البيت الخليجي، في حين يُفترض أنَّ القضايا الشائكة بين دول الخليج، تعدُّ شأنا داخليا يجب معالجته تحت قبة مجلس التعاون الخليجي. أمَّا المواطن العادي، فهمه أن تظل علاقته بإخوانه في دول الخليج قائمة على التسامح والتعاون والتواصل البناء، التي طالما كنا نفاخر بها أنفسنا كخليج واحد وشعب واحد، فلا يمكن التخلي عن دوله خليجية واحده؛ فهذا ما تعوَّدنا عليه منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي؛ لذا يجب أن تكون أصوات العقل هي التي تتصدَّر الشاشة الإعلامية الخليجية والتي تدعو لوحدة الصف الخليجي.

... إنَّ ما يحدُث اليوم من صراعات عبر شبكات الإعلام المرئي والتقني يقوِّض الوحدة الخليجية، ويؤثر على تماسكها على المدى البعيد، في ظل مُطالبات سابقة بتقوية العلاقات الخليجية من خلال العديد من المشاريع على المستوى الاقتصادي والتعليمي والاجتماعي والثقافي، وهذا ما يرجُوْه المواطن بأنْ يُلاحِظ أثرَ الوحدة الخليجية على حياته الخاصة، وأنْ يُشَاهد ملامح نجاحها كأي وحدة قائمة بين مجموعة من الدول التي تجمعها وحدة اللغة والدين والثقافة الواحدة، والموقع والمصالح المشتركة، وهذه المقومات تفتقدها الكثيرُ من التكتلات السياسية الناجحة اليوم، في حين أنَّ شعوبَ هذه المنطقة أكثر قربا من غيرها من الشعوب الأخرى، ولكنها اليوم تعاني من التباعد التدريجي، ولا نعلم إلى أين ستصل بنا الحال.

Hm.alsaidi2@gmail.com