ولكم في الوقف.. حياة

 

سيف بن سالم المعمري

يُعد الوقف أحد أهم الأدوات الخيرية التي رسخت قيم التواد والتراحم في المُجتمع العُماني منذ القِدم، كما يُعد الوقف من مظاهر الانسجام المجتمعي وامتداداً للنهضة الحضارية التي قادها العُمانيون في العالم، وساهموا في نشر الدين الإسلامي الحنيف بقيمه الأصيلة السامية في قارتي آسيا وأفريقيا.

وقد وجدت أموال الوقف وبيت المال العناية الكريمة من الحكومة منذ بزوغ فجر النَّهضة العُمانية بقيادة حضرة صاحب الجلالة السُّلطان قابوس بن سعيد المعظم-حفظه الله ورعاه- وأمدَّه بالصحة والعافية-، والتي توجت بإصدار قانون الأوقاف في المرسوم السلطاني (65/2000)، والذي منح المؤسسات الوقفية شخصيتها الاعتبارية، ما حدا بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية إلى ترجمة الاهتمام السامي من خلال تنظيم الملتقى الحضاري للتعريف بمُبادرة المؤسسات الوقفية الخيرية تحت شعار "ولكم في الوقف حياة" والذي تشرف عليه الوزارة بالتَّعاون مع ميثاق للصيرفة الإسلامية، وتعد المبادرة الأولى من نوعها في العالم الإسلامي تستمد ديمومتها من الحرمة الشرعية التي أحيط بها الوقف من قبل الشريعة الإسلامية.

ومن أبرز جوانب التطوير التي شملتها التعديلات في قانون الأوقاف البعد عن المركزية لإدارة أموال الأوقاف في سائر مُحافظات السلطنة، والتي أعطت مجالاً أرحب لأبناء كل مُحافظة لتأسيس وإدارة مؤسسات وقفية عامة وخاصة تقدم خدماتها إلى أبناء المُجتمع في المجالات التي تتلاءم وطبيعة الحياة واحتياجاتهم.

إنَّ المعول على المؤسسات الوقفية التي سيؤسسها أبناء كل مُحافظة في محافظتهم أن تعزز أعمال البر والإحسان والتكافل في المجتمع، وستُساهم الإدارة اللامركزية لتلك المؤسسات من قبل أبنائها في تشجيع المُجتمع على دعم وتنمية تلك المؤسسات واختيار الكفاءات التي تُديرها من بينهم، وانتقاء مشاريع وبرامج لتنمية قطاعات المجتمع المتعددة.

لقد ساهمت مشاريع الوقف في الماضي ولا تزال في دعم المحتاجين والمُعسرين، وإنشاء والعناية بالمساجد ومدارس تحفيظ القرآن الكريم وشراء العصي للعُمي وكفالة الأيتام ونحوها، وتعدي ذلك إلى مشاريع الرفق بالحيوان، وعمقت تلك المشاريع قيم التعاضد في المجتمع العماني، إلا أن المؤمل من المؤسسات الوقفية العامة والخاصة خلال المرحلة المقبلة تأسيس مشاريع نوعية تلامس احتياجات أبناء المجتمع في مجالات أخرى وتنمية المجتمع بمشاريع تتناغم وروح العصر ومتطلباته، والتي من بينها دعم طلاب العلم المعسرين، وتأسيس مشاريع تسهم في رعاية وتأهيل كبار السن، وكذلك تأسيس مؤسسات تعليمية لتقديم خدماتها للفئات التي ترغب بمواصلة التعليم العالي والتي لم توفق في الحصول على فرص دراسية في المؤسسات الحكومية، وربما العمل على مشروعات خيرية في مساعدة المعسرين في تكاليف العلاج في الخارج في بعض الأمراض، بالإضافة إلى المشاريع سالفة الذكر.

على أنه من الأهمية البالغة أن تسعى وزارة الأوقاف والشؤون الدينية إلى مضاعفة جهودها في العناية بالمساجد التي تنتشر في كافة محافظات السلطنة من خلال تنظيم وإشراك مؤسسات وفئات المجتمع في تأسيس ودعم وتنمية وإنشاء مؤسسة وقفية عامة يتم إداراتها مركزياً من الوزارة، تتلخص أعمالها في النظافة والصيانة الدورية لجميع المساجد في السلطنة؛ لكون المساجد من أبرز معالم النهضة الحضارية الإسلامية في السلطنة، حيث يعد مسجد المضمار الذي أنشأه الصحابي مازن بن غضوبة أوَّل مسجد بني في عُمان والذي كان مركز إشعاع لنشر أصول الدين الإسلامي الحنيف ومنصة لطلاب العلم.

إنَّ منح المؤسسات الوقفية العامة والخاصة شخصية اعتبارية كمؤسسات مجتمعية تؤسس وتدار بواسطة أبناء المُجتمع وتسهم أعمالها في تنميته، تعد آلية عمل نوعية لتعزيز ثقافة العمل المجتمعي، وفتح المجال للكل للإسهام ولو بالقليل في دعمها وتعزيز منهجيتها، لترجمة روح مبادرة "وقف" الذي تشرف عليه وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بالتعاون مع ميثاق للصيرفة الإسلامية تحت شعار "ولكم في الوقف حياة".

فبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت ،،،

 

Saif5900@gmail.com