جمعية الصحفيين و"فيتو" التعليق!

 

هلال بن سالم الزيدي

في الوقت الذي يسعى فيه أصحاب مهنة البحث عن المتاعب لتوسيع هامش الحرية، يلتف عليهم من يفترض أنَّه يقود مطالبهم لتُلامس أرض الواقع، فالتعبير عن الرأي وسط ممتهني الصحافة يعتبر خرقاً لكينونة واستمرار مؤسسات المجتمع المدني؛ فتصبح الحرية التي يطالبون بها مجرد شعارات لا تُثمر لدى الآخرين بسبب عدم رغبتهم في سماع وجهات نظر معاكسة، لذلك تبدو المنظومة مُشتتة وفاقدة لسلطتها المجتمعية جراء ما تُمارسه ضد أبناء جلدتها، ولعل بلوغنا لهذه المرحلة يعطي انطباعاً بأننا لا يُمكن أن نؤتمن على أهمية وجود "حرية" من أجل إقناع المسؤولين بأهمية فتح نافذة الحوار المتكئة على محور الحُرية المنظمة.

إنَّ الخطوة التي أقدمت عليها جمعية الصحفيين العمانية بتعليق عضوية أحد الصحفيين هي خطوة غير سليمة ولم تكن الأولى فقد سبقها تعليق لصحفي آخر، ولا أتوقع أنَّ هناك مسوغا قانونيا يُجيز لهم تعليق العضوية بحسب ما تمَّ تداوله من أسباب، حتى البعض من أعضاء مجلس الإدارة لم يقتنعوا بتلك الخطوة وكونهم منقسمين دائماً خرج القرار بإرادة المُسيطر وممن يمتلك حق الفيتو، وبالتالي توسعت فجوة الثقة بين الأعضاء وبين مجلس الإدارة.

من المفترض أن يكون هناك تعامل مختلف مع أزمة كهذه، وما أقدموا عليه لا يُعد حلاً وإنما مشكلة أخرى تضاف إلى تخبط الإدارة المتشاكسة، ولو سلّمنا بقوة "الجُرم" المُرتكب من قبل الصحفي فإنَّ هناك حلولا وطرقا أخرى لا يُمكن أن تصل إلى تعليق العضوية التي تبدو عند البعض شكلية ولا يجني من خلفها الصحفيون أو الأعضاء ما يجعلهم ذوي فاعلية لصقل قدراتهم وتطوير مسار مهنتهم الذي يحتاج إلى وقفة توازي قوة التمويل المالي الموجود.

لا يُمكن تهميش الرأي الآخر مهما كان التعبير المُعلن عنه، وحتى يكون هناك قبول لادعاءاتنا ورغباتنا في إيجاد منظومة إعلامية تتمتع بحُرية تواكب مُتغيرات الحياة فلابد من تطبيق ذلك على ذواتنا، فبقدر ما نتحمل بعضنا البعض وندعم مُبادرات الحرية ينعكس ذلك على المجتمع بمؤسساته وأفراده، لذلك نكون القدوة التي تدافع عن الحقوق الصحفية التي غلبت عليها المصالح الذاتية على مُختلف الأصعدة، ولم تستطع حتى الخروج بميثاق شرف إعلامي أو شيء يُذكر ضمن المنظومة، عدا الشجب والتنديد.

على الرغم من قيام الصحفي المُعلقة عضويته مدة سنة لمُحاولة فتح الحوار مع أعضاء مجلس الإدارة لتوضيح لبس الموضوع إلا أنَّه لم يجد تجاوباً من قبلهم، وهذا إن دلّ على شيء إنما يدل على أن هناك نية مبيتة لأسباب أخرى مخفية، فاستخدموا إدعاءهم بأنَّه قام بالإساءة إليهم حتى ُينفّذوا ما أرادوه، بالرغم من رد وزارة التنمية الاجتماعية عليهم بأن إجراءهم خاطئ ولا يستند على اللائحة الداخلية ولا حتى القوانين المُنظمة للجمعيات، لذلك ضربوا بذلك الرد عرض الحائط.

كنُّا نتمنى ألا يزيد أعضاء مجلس الإدارة الطين بِلّة جراء هذا التَّصرف، لأنَّ الجمعية تحتاج إلى ردم الهوة التي تتسع يوماً بعد يوم، ولعله كان لدينا نوع من التفاؤل البسيط في قبول التجاوزات أو الأخطاء التي تقع بين الفينة والأخرى، تحت مبدأ "إبحث لأخيك عذرا حتى يعود"، لكن بهذا التصرف دفعنا أعضاء مجلس الإدارة "المعصومين" إلى إعادة ملفات كانت مطوية لمصلحة عدم شق الصف الذي لما يكتمل بعد.

لقد دافعنا في كثيرٍ من التجمعات الإعلامية عمَّا يدور حول الجمعية من أمور تناقض مهنية المهنة الإعلامية، لكن مع تزاحم الحوادث والتصرفات الفردية لبعض الأعضاء لا نستطيع أن نلمع ما علق في مسيرتها إن كانت هناك مسيرة حقيقية، لذلك علينا أن نصارحهم حتى يمكن إنقاذ ما يجب إنقاذه، حتى وإن آل مصير عضويتنا إلى التعليق أو أي رؤية يرتأوها من وجهة تقديراتهم الشخصية وبحسب تفسيراتهم.

نتطلع دائمًا إلى مُعاملة متوازنة يتساوى فيها الجميع تحت إطار المنفعة العامة، والابتعاد عن مُمارسة تصفية الحسابات جراء رأي أو وجهة نظر، فأين أنتم من قول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه "رحم الله أمرئ أهدى إليّ عيوبي"، حتى وإن سلّمنا بتلك الإساءة فلربما الصحفي خانه التعبير وعليكم تقويمه وتقديم صورة واقعية لقبول الآخر مهما كان الاختلاف.


همسة:


لا يمكن أن أمنح نفسي حرية النقد وأحجبها عن الآخر، لأن ذلك يعد تناقضا صارخا يفضي إلى غياب الهدف؛ أيها السادة الكرام لا ينجح القائد إن لم يستطع بناء قادة آخرين يستلمون زمام المبادرة من بعده، اجمعوا شتاتكم ولا تُفرقوا حتى تتسيّدوا.


كاتبٌ وإعلامي

abuzaidi2007@hotmail.com