الانتماء الوظيفي للمؤسسة

حميد السعيدي

تُعتبر القوى البشرية العنصرَ الرئيسيَّ في نجاح المؤسسات في تحقيق أهدافها وغاياتها، وهذا الأمرُ يعتمدُ على مَدَى مَقْدِرة المؤسسة على بناء الانتماء الوظيفي؛ فالمؤسسات الناجحة التي تحقِّق عوائد إنتاجية عالية الجودة، وتعتمدُ في ذلك على الموظف الذي لديه الانتماء الوظيفي، والرغبة في ظهور مؤسسته بالصورة الإيجابية، خاصة وأنَّ هذا الانتماء قد يدفعه للإبداع والابتكار، وخلق حلول من أجل التطوير للأفضل، وأيضا يُثري مُساهمته الفاعلة والنشطة خارج ساعات الدوام الرسمي، وهنا نَصِل لمستوى قمة الأداء الحضاري والعطاء لأجل المؤسسة.

والعكس من ذلك؛ فالمؤسسات التي لا تستطيع أن تبني الانتماء الوظيفي لموظفيها، تُواجه عدة تحديات سواء كان في جودة العمل وإنتاجيته، أو في استمرارية الموظف وبقائه فيها أو رحيله من المؤسسة، وهنا تخسر المؤسسة الكادر الخبير والمؤهل الذي أنفقتْ عليه الكثيرَ ليصل لمستوى الخبرة في المهمة التي يقوم بها، وتخسر أيضا جودة العمل حينما يبدأ الموظفون في التذمر والشكوى بالمؤسسة، وهنا تبدأ عملية الهبوط في المستوى التدريجي لها، وتفقد ثقة الجمهور أو الفئة التي تتعامل معها.

الكثيرُ من القيادات الإدارية البيروقراطية الفكر والتوظيف دائماً ما ترى أنَّ رحيل موظف ما، سيأتي غيره بالعشرات، وهذا شيء طبيعي؛ ولكن هنا تحقق الإدارة قدرتها على معالجة المشكلة بإحلال موظف مكان آخر، ولكنها تخسر في ذات الوقت الكثير، فهنا لم يغادر موظف للمؤسسة فقط، وإنما فقدت أهم عنصر رئيسي لديها كان مساهماً في تحقيق أهدافها، واكتسب الخبرة من خلال الممارسة أو التدريب في العمل الذي يقوم به؛ لذا فهي تخسر الموظفين، وتخسر الأموال التي أنفقت في مجال تدريبهم وإعدادهم، بل إنَّ هناك فاقدًا في الجودة يحدث عندما يتولى موظف جديد للمهمة، فهو يحتاج زمنًا حتى يصل لمستوى الأداء المطلوب في ضوء المعايير المحددة للوظيفة.

لذا؛ فإنَّ المؤسسات الناجحة هي التي تسعى قياداتها الإدارية لبناء الانتماء الوظيفي للمؤسسة، وهذا الأمر يتعلَّق بتحقيق العديد من الأساسيات في العمل الإداري؛ ومنها: تحقيق الرضا الوظيفي، والعدالة، والحقوق والواجبات، وتقدير إنسانية الموظف وأدائه، وتضحياته من أجل النهوض والارتقاء بالمؤسسة؛ فلا توجد في نظريات الإدارة وفكرها أنَّ مؤسسات حققت نجاحا يعود للقيادات الإدارية؛ فالنجاح لا يأتي إلا من خلال الموظفون وحدهم، هم من يخلقوا النجاح وهم من يصنعوا الفشل والإخفاق، أمَّا الدور الأساسي على القيادات فهو التخطيط الناجح وتطبيق الأنظمة والقوانين، وخلق الموظفون ذوي الانتماء الوظيفي، حينها تستطيع المؤسسات أن تكون ناجحة بكل المعايير.

وتشير الكثير من الدراسات البحثية -ومنها ما يؤكده "كيم" باحث في إدارة المؤسسات- إلى "أنَّ الموظفين الذين عوملوا بعدل وبحق، يميلون إلى التطوير والحفاظ على العلاقات داخل المؤسسة، إضافة إلى زيادة درجة الالتزام الوظيفي والثقة والارتياح". وبذلك؛ فإنَّ بناء المنظومة الناجحة داخل المؤسسة يعتمد على تحقيق العدالة داخلها، ثم يأتي تحقيق الرضا الوظيفي والذي يعتبر الركن الأساسي، لذا يفترض أن تحققه المؤسسة لدى موظفيها وهو مبني على العنصر الأول، إلا أنَّ إيصال الموظفين للرضا الوظيفي يعتقد الكثير من الإداريين أن ذلك مرتبط بالجانب المادي فقط، والواقع عكس ذلك تماما، فيمكن تحقيق الرضا الوظيفي بعيداً عن ذلك، وذلك من خلال بناء العلاقة الإيجابية والتواصل بين الإدارة والموظفين، وتقدير عملهم والجهود التي يبذلونها في تحقيق أهداف المؤسسة، ثم يأتي من خلال إعطائهم الحقوق المادية والحوافز التشجيعية والمكافأت، حينها يدرك الموظف أن المسؤولين عن المؤسسة يقدرون الجهود التي تبذل، مما يدفعه ذلك لمزيد من العطاء والإخلاص والأمانة.

ولكن مع كل ذلك يبقى على المؤسسات الراغبة في تحقيق منتج ذات جودة عالية، أن تراجع منظومة العمل داخل المؤسسات؛ فالكثير من المؤسسات كان يتم إدارتها من مديرين تنفيذين يمتلكون قدرات ومهارات قيادية فاعلة ومؤثرة؛ لذا نجدها استطاعت أن تتغير من مستوى كان لا يرتقي لطموحاتها إلى مستوى عالٍ من الإنتاج والتنافسية، عندما استطاعت تحقيق الانتماء الوظيفي لدى الموظفين، بحيث يصبح لديهم رغبة في أداء الكثير من الواجبات طواعية، بحيث يتعدى حدود الواجبات الوظيفية، فهل مؤسساتنا قادرة على تحقيق ذلك لدى موظفيها؟ وإذا عجزت عن ذلك فأين تمكن المشكلة؟

فهناك علاقة تبادلية يجب أن تقام بين الإدارة والموظفين، هذه العلاقة قائمة على أن كل فرد يقدم شيئًا للطرف الآخر، يُقيَّم على أنه ذو فائدة وجدوى، وفقا للمهام المطوبة من كل منهما، وهنا يجب أن تكون هذه العلاقة عادلة بين الطرفين حتى تصبح علاقة مثمرة في المنتج العام للمؤسسة؛ فالعلاقة الإيجابية تحقق الرضا للموظف، ويصبح عطاؤه أكثر من أجل المؤسسة والعكس من ذلك؛ فحدوث إشكاليات معينة في هذه العلاقة يؤثراً سلبا على أداء المؤسسة؛ لذا فالمؤسسات التي تعتمد على الانتماء الوظيفي يكون لديها مستوى إنتاج عالٍ، والمؤسسات التي تفقد هذا الرضا تركز فقط على الجانب التنظيمي وإنجاز العمل.

وبالرَّغم من التطور الذي يشهده العالم في مختلف القطاعات، نجد أنَّ قطاع إدارة المؤسسات والمنظمات قد أخذ نصيبا له من هذا التطور، والمتطلع عليه يجد أن عملية إعداد إداريين ذوي فكر قيادي متطور نحتاج إليه اليوم أكثر من أي وقت مضى، فالإدارة لا تعني إطلاقا تنفيذ الخطط وإدارة المؤسسة نحو تحقيق أهدافها وفقا للأنظمة والقواعد، والعمل على تفعيل الرقابة والبحث عن الأخطاء وهفوات الموظفين، وإنما هي عملية إنسانية قائمة على بناء منظومة من العمل التكاملي والمتكافئ بمشاركة كل المنتمين للمؤسسة، بما يُساعد على العمل فيما بينهم، وبما يعمل على الارتقاء بالأداء من خلال الاهتمام بالتطوير والتدريب، ومعالجة المشكلات وفق منهجية تحقق الرضا للجميع، ولكن أن تكون هناك فجوة في العلاقة بين الموظفين والإداريين، فهذا الأمر يبني حواجز تزداد يوما بعد آخر، فلا تعطي وعدًا اليوم لا تستطيع الوفاء به غداً، خاصة عندما يتعلق بحقوق الموظفين، وهذا يتناقض مع الفكر الإداري الحديث.

فالإدارة الكفوءة هي القادرة على تحقيق النجاح واستغلال كافة الإمكانيات البشرية والمادية بما يساعد على تحقيق الأهداف التي تسعى المؤسسة لتحقيقها؛ فهناك القادة الملهمين الذين يستطيعون صناعة رؤية فاعلة قادرة على تصميم التشاركية بين الإدارة والموظفين، بما يؤدي إلى صناعة منتج ذي جودة عالية، وهناك من يبحث عن تحقيق ذاته على أكتاف الموظفين ويعمل على أقصائهم والتركيز على الفئات التي تقدم الولاء للشخوص، وهنا تسقط كل مبادئ وقيم الإدارة وتصبح منهج الإدارات التقليدية.

Hm.alsaidi2@gmail.com