تجديد الرؤية وإفساح الفرصة للشباب المؤهل

 

عبد الله العليان

من سُنن الحياة ومُتغيراتها أنَّ التجديد في فكرنا العربي الإسلامي،هو حداثتنا التي يجب أن نستجيب لها شئنا أم أبينا، وذلك لضرورة التَّغيير الذي يُجدِّد المفاهيم والرؤى، باعتبار التغيير المنبثق من التجديد، يُسهم في القُدرة على الابتكار والإبداع والفاعلية في الإنتاج، لارتقاء ما هو ثابت وغير فاعل، وتعزيز ما هو مُتغّير، وهذا ما فعلته الحضارة الغربية، عندما نهضت وجدَّدت في مضامينها الفكرية في القرن السابع عشر والثامن عشر.

ولذلك فسنن التغيير والتجديد، صيرورة طبيعية للانطلاق لما هو أفضل وأرقى، ولنا في حديث د. مهاتير محمد في ملتقى الدقم الثالث، الذي رعاه صاحب السُّمو السيد أسعد بن طارق آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي الممثل الخاص لجلالة السلطان، عن أهمية تجديد الفكر والمنطلقات الحيَّة للحراك الواعي بضرورة الاستجابة لحاجة النهوض التي نُريدها، والتفاعل مع التحولات في عالم اليوم في ديناميكية سريعة، والاستفادة من تجارب الدول التي تقدمت قبلنا، وهذا ما أشار إليه د. مهاتير في محاضرته، بأن " تجربة ماليزيا قامت على انفتاحها على تجارب الدول المتقدمة في الشرق والغرب.. ففي الشرق كانت الدول تنمو بشكل سريع ومنها دول كانت لتوها خارجة من حالة الحروب والفقر وكان لابد أن نتعلم منها وقمنا بابتعاث طلابنا إلى هذه الدول وكنا مدركين تماماً أن التعلم من تجارب الآخرين أفضل من أن نبدأ كل شيء من جديد. وأول الأصول التي امتلكتها ماليزيا هي القوة البشرية، لكن في بداية التجربة كانت هذه القوة نفسها مُشكلة، إذ كانت معدلات الباحثين عن عمل مرتفعة ونجحنا في تحويل البشر إلى أصول واستحداث وظائف.

أيضاً من الأصول ـ كما قال ـ التي ساعدتنا الأراضي الخصبة وشكلت الزراعة فرصاً بالنسبة إلينا لنساهم في توفير الوظائف، وفتحنا أراضي الغابات ليتمكن الماليزيون من زراعتها.. واستثمرنا في زراعة المطاط الطبيعي وهو ما ساهم في رفد الاقتصاد وتوفير فرص العمل".

فالاستثمار الأفضل هو استغلال الموارد الطبيعية، وتأهيل الشباب من خلال الاستفادة من خبرات العالم المُتقدم في العلوم والتكنولوجيا والمعارف الجديدة في مجال النهضة العلمية، وهذا هو سر تقدم ونهوض ماليزيا والكثير من الدول التي دخلت الصناعة والنهوض التكنولوجي، حتى وإن أتت متأخرة. ونحن في بلادنا نحتاج إلى خطوات جادة وسريعة لاستغلال الموارد والمقومات الكبيرة، التي تحدث عنها د. مهاتير محمد، في قوله "إن عمان تختلف عن ماليزيا، فالأخيرة هي بلد أخضر وعمان ذات طبيعة جبلية، لكن هنا ما يمكن أن نؤكد عليه هو أنه على كل بلد التفكير في أصولها واستثمارها جيداً، وإذا كان في عمان الكثير من الصخور والكثير من الشواطئ التي يمكن أن تكون جاذبة للسياح، فيمكن التركيز على التعدين وقطاع السياحة، وأهم ما يُمكن أن يلخص تجربة ماليزيا هو إجادة استغلال الموارد والتكيف مع المتغيرات". فالأمر ليس بالصعوبة والعبء الكبير لتحقيق هذا الهدف في بلادنا، بل نحتاج إلى سياسة رشيدة، ورؤية واعية لما نريد وتحقيقه، ونعطي الفرصة لشبابنا المؤهل ليضطلع بجهود هذا التوجه للاستغلال الأمثل لمواردنا ومقوماتنا السياحية، حيث لا نجد ولاية من ولايات السلطنة، إلا وهي زاخرة بجانب من جوانب هذا المقومات، فلماذا لم نستغل هذا منذ عقود مضت؟، مع أن التحولات التي تجري في عالم اليوم عن تقدم الدول ونهوضها، لم تعد سرية، ولا الأفكار في النهوض خافية، إنما للأسف لم نفتح الأفق الواسع للنظرة المحفزة لما ينبغي أن تكون عليه رؤيتنا المستقبلية الناجحة، بل بقينا على موارد سلعة النفط، مع أن جميعنا يُدرك أن هذه السلعة قابلة للانخفاض أو النضوب، عاجلا أو آجلاً.

ولهذا كانت الحاجة الآن بعد انخفاض أسعار النفط فارضة أن نغيّر المسار القائم، ونراجع الكثير من السياسات السابقة، وهذا في حد ذاته خطوة جيدة، أن نضع رؤى جديدة وبعيدة المدى لتحقيق هدف مهم وأساسي، لاستغلال مواردنا، وهذا مرتبط بإفساح المجال لجيل جديد يقود هذه المرحلة من الرؤية الاقتصادية الجديدة، بجوانبها المختلفة، ولاشك أن البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي (تنفيذ)، به من البرامج والخطط مشارك به مجموعة كبيرة من شبابنا المؤهل، وهذا ما يعزز الثقة في هذا البرنامج بإذن الله، ونأمل أن تكون الرؤية المستقبلية العمانية 4020 م، محققة للأهداف والخطط المرجّوة، بما يعزز التطوير والتخطيط السليم، بصورة شاملة، مع المُتابعة لسير هذه الخطة المستقبلية.. وللحديث بقية.