استثمار صناعي واعد في "الدقم"

محمد نعيم العدسي

تمتاز المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم بأنَّها واحدة من أكثر مشاريع التطوير الحضري طموحاً في السلطنة؛ لما تمثله من إنجاز بارز يترجم التطلعات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية للسلطنة بصورة عامة ولمُحافظة الوسطى على نحو خاص.

وتهدف هيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم إلى إنشاء مركز صناعي فعَّال للصناعات الثقيلة والمتوسطة والخفيفة. وفي هذا السياق، تتميز مدينة الدقم عن غيرها من المدن الصناعية العمانية بالمستوى العالي لمشاريع البنية الأساسية فيها، والتي ستسهل عملية التبادل التجاري وتداول البضائع من وإلى الدقم، وكذلك مساحة المدينة الكبيرة إذ يبلغ إجمالي المساحة المخصصة للتطوير في المرحلة الأولى وفقاً لرؤية الهيئة 2035 "الخطة العمرانية لمدينة الدقم" حوالي (800 كم2)، وهي تشكل ما نسبته 40% من إجمالي مساحة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم والبالغة (2.000 كم2) ألفي كيلومتر مربع.

وتتمع الدقم بموقع متميز؛ حيث إنها تقع في منتصف الطريق تقريبا بين مُحافظتي مسقط وظفار وهما المدينتان الأكبر في السلطنة. كما وتتميز المنطقة الاقتصادية بطول سواحلها حيث يبلغ طول الساحل المخصص للمنطقة الاقتصادية حوالي (99كم) كيلومتر. لذلك فقد تم تصميم مدينة الدقم لتستوعب أنشطة اقتصادية مختلفة تم توزيعها جغرافياً بعناية، وذلك لتعظيم الاستفادة من موقع كل نشاط بهدف إنشاء مدينة متكاملة متميزة بتنوع أنشطتها الاقتصادية، آخذين في الاعتبار المحددات البيئية أثناء عملية توزيع الاستخدامات في المنطقة.

ويشكل النشاط الصناعي أهم عناصر هذا التنوع حيث تبلغ المساحة المخصصة لمختلف أنواع الصناعات حوالي (260 كم2 ) والتي سوف تكون مترابطة مع جميع وسائل النقل مثل ميناء الدقم، وشبكة الطرق الرئيسية والسكك الحديدية القادمة إلى المنطقة، بالإضافة إلى مطار الدقم الدولي.

إن موقع المنطقة الصناعية يجعل الدقم مكاناً مثاليًا لإقامة وتوسيع المشاريع الصناعية والتجارية. بالإضافة إلى ذلك قرب الدقم إلى الأسواق الواعدة في آسيا، ودول مجلس التعاون الخليجي وإيران وشرق أفريقيا، فضلاً عن موقعها الاستراتيجي خارج مضيق هرمز، والذي منحها جاذبيتها كمركز صناعي متكامل مع الخدمات اللوجستية المرافقة.

وقد تم تقسيم المنطقة الصناعية بالدقم إلى ثلاث مناطق مختلفة وفقاً لنوع الصناعات المقترحة في كل منطقة، وهذه المناطق هي منطقة الصناعات الثقيلة، ومنطقة الصناعات المُتوسطة، ومنطقة الصناعات الخفيفة.

وفي منطقة الصناعات الثقيلة، روعي عند تحديد موقعها أن تكون بعيدة بمسافة آمنة عن التجمعات السكنية حيث أخذت في الاعتبار جميع العوامل البيئية مثل اتجاه الرياح وحركة التيارات البحرية وغيرها من العوامل المؤثرة. وتتميز المنطقة بقدرتها على استيعاب أي نوع من المشاريع الصناعية مهما كان حجمه أو نوعية أنشطته المعقدة أو متعددة العمليات، وتبلغ المساحة المخصصة لهذه المنطقة (67.5كم2). وسوف تحتوي على عدة أنشطة صناعية مثل: الصناعات البتروكيميائية، التعدين، والصناعات التحويلية.. وغيرها.

أما منطقة الصناعات المتوسطة، فتقع في الوسط بين منطقة الصناعات الثقيلة في الشمال ومنطقة الصناعات الخفيفة الواقعة في الجنوب؛ حيث تتميز منطقة الصناعات المتوسطة بموقعها والذي يتوسط المنطقة وقربها من مركز المدينة ومدخلها المباشر إلى ميناء الدقم.

وفي منطقة الصناعات الخفيفة، تم اختيار الموقع بالقرب من المنطقة السكنية بجوار مخطط الخدمات اللوجستية على الطريق الرئيسي الذي يربط الميناء بمطار الدقم وذلك لأنَّ هذه النوعية من الصناعات غالباً ما تكون قائمة لإنتاج سلع موجهة للمستهلكين النهائيين ولا تخدم الأنواع الأخرى من الصناعات  وهي عادة لا تتطلب رؤوس أموال كبيرة مقارنة بالصناعات الثقيلة والمتوسطة. ومعظم الأنشطة الصناعية بها تقوم على الصناعات التحويلية التي تستخدم كميات معتدلة من المواد المعالجة جزئيًا لإنتاج سلع ذات قيمة عالية نسبياً، وهي بالتأكيد تتطلب كمية صغيرة من المواد الخام مقارنة بالصناعات الثقيلة والمتوسطة، وكذلك فهي تحتاج كمية مُعتدلة من الطاقة، كما أنَّ قيمة السلع المنتجة منخفضة نسبيًا، وأسهل للنقل كما أن حجم الإنتاج بها عالٍ. وتبلغ المساحة المخصصة لهذه المنطقة (22.8كم2) كيلومتر مربع، وسوف تحتوي على مصانع لإنتاج الأثاث والأدوات المنزلية والملابس وغيرها من الصناعات النظيفة.

لقد تمَّ بناء ميناء الدقم التجاري على مستوى عالمي من حيث الحجم والإمكانيات، ليتماشى بذلك جنباً إلى جنب مع الموقع الاستراتيجي للدقم الواقع على طريق التجارة المزدحم بين الشرق والغرب، وتعتبر الخدمات اللوجستية مثل التخزين والتوزيع وإعادة التصدير من أهم  فرص العمل الفريدة التي يسعى الميناء إلى التركيز عليها في خطة التشغيل. وتتوزع المناطق اللوجستية في جميع أنحاء المنطقة الاقتصادية الخاصة في مواقع بارزة يسهل الوصول إليها حيث روعي أن تكون على مقربة من مراكز النقل، كما هو الحال في منطقة التخزين والمستودعات في المطار وفي منطقة الصناعات الخفيفة بجوار مطار الدقم وداخل الميناء حيث تُعتبر جميعها مواقع استراتيجية وفي متناول اليد من الصناعات المتوسطة والثقيلة.

ويمكن القول، إنَّ المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم هي مدينة المستقبل في عُمان، وبوابة استراتيجية لاقتصادنا الوطني، فضلاً عن أنَّها محور ارتكاز للنهوض بالصناعات الوطنية، لما تمثله من أهمية كبرى في رفد المنظومة الاقتصادية بمصادر دخل جديدة تضمن التنويع الاقتصادي وتحقيق النمو والرخاء لبلادنا الغالية.

تعليق عبر الفيس بوك